د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

ماذا يريد الغرب من الصين؟

تزداد الضغوطات الدولية على الصين مع اقتراب قمة العشرين المقرر إقامتها في العاصمة الأرجنتينية نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ولا تزال الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مصرة على أن تغير الصين من سياساتها الاقتصادية والمضرة - من وجهة نظرهم - بالاقتصاد العالمي. وكثيراً ما تكرر هذه الدول أن الصين بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية، وما دعم هذه المطالبات في الآونة الأخيرة هو تولي الرئيس ترمب كرسي الرئاسة الأميركي، حيث تبنى هذه القضية منذ يومه الأول في البيت الأبيض، ولكن ما هي الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها الغرب في دولة تملك ثاني أكبر اقتصاد عالمي؟
تتمحور هذه التغيرات حول عدة نقاط، لعل أولها هو مطالبة الصين بالانفتاح على العالم الخارجي والسماح للشركات الأجنبية بالاستثمار في الصين. وبينما لا تعاني الشركات الصينية من الاستثمار في الولايات المتحدة وأوروبا (على الأقل حتى قبل سنتين)، تعاني الشركات الأجنبية من عوائق عدة في الدخول إلى السوق الصينية التي تشكل إغراء كبيرا لهذه الشركات. وبحسب وجهة نظرهم، فإن هذه الدول ترى أنه من غير العدل أن تمنع الصين الشركات الأجنبية من الاستثمار فيها، بينما تنعم الشركات الصينية بالأسواق العالمية.
كما أن الغرب يطالب الصين بتقليل الرسوم الجمركية على الواردات، وذلك لمساواة الواردات بالمنتجات المحلية. وتحتل الصين مركزا متقدما في نسبة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، وهو ما يعطي حماية للمنتجات الصينية المحلية. وقد لا يكون هذا التصرف عادلاً من قبل الصين، فالحكومة الصينية تدعم المنتجات المحلية المصدرة للخارج (والتي غالباً تصنع من مصانع مملوكة للحكومة)، مما يقلل من تكلفتها ويعطيها أفضلية على المنتجات الأجنبية في الأسواق الخارجية. بينما تفرض رسوماً مرتفعة على الواردات لتعطي أفضلية لمنتجاتها في السوق المحلية. ويرى البعض أن في هذه السياسة سببا رئيسيا للعجز التجاري بين الصين والدول الأخرى بجعلها دولة مصدرة أكثر مما هي مستوردة.
في المقابل، فإن الصين تزعم أنها فعلا بدأت في تغيير سياساتها الاقتصادية في الأعوام الأخيرة، وبدأت في التسويق لنفسها بكونها دولة مستوردة، وكانت آخر هذه المحاولات هي معرض الاستيراد الصيني الدولي، والذي أعلن عنه الرئيس الصيني بداية عام 2017، وأقيم قبل عدة أيام في العاصمة الصينية. وشارك في هذا المعرض 3600 شركة من 172 دولة، كان نصيب الشركات الأميركية منها 180 شركة. وتم الإعلان خلال هذا المؤتمر عن صفقات تعدت 57 مليار دولار. وهو مؤشر يوضح أن الصين في طريقها للتوازن بين الاستيراد والتصدير. إلا أن مصادر أوروبية أكدت أن الحكومة الصينية ضغطت على الشركات المحلية بالإعلان عن صفقات كبيرة لبيان نجاح المعرض وإيصال فكرة أن الصين دولة تستورد كما تصدر. والواقع أن نمو الواردات في الصين بلغ 9 في المائة خلال العقد الماضي، حتى وصلت الواردات إلى 102 تريليون دولار في العام المنصرم.
وألقى الرئيس الصيني بداية المعرض كلمة أوضح فيها أن الصين بدأت بالفعل في الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن المتابع يرى أن ما قاله في افتتاح المعرض هو تكرار لما قاله مرتين على الأقل منذ تولي الرئيس «ترمب» الرئاسة، وهي وعود بالتغيير، إلا أن تطبيق هذه الوعود يجري بوتيرة بطيئة جداً. ويبدو أن الدول الأوروبية وأميركا توقعوا هذه التصريحات المتكررة، فلم يرسلوا مسؤولين ذوي مستوى رفيع لهذا المعرض، وهو تشكك واضح في النوايا الصينية. ولم يأت هذا التشكك من عبث، ففي الوقت التي تعد فيه الصين بأنها ستتوقف عن حماية منتجاتها المحلية أمام الواردات الأجنبية، بدأت في دعم مبادرة سمتها «صنع في الصين 2025»، تسعى فيها إلى زيادة حصة المنتجات عالية التقنية الصينية في السوق المحلية.
لا شك أن الصين لها أهمية عظمى في تطوير الاقتصاد العالمي في العقدين الأخيرين، ويستند إلى اقتصادها العملاق كثير من اقتصادات الدول الآسيوية المحيطة من خلال ترابط سلاسل التوريد، وفي نمو اقتصادها وتوازنه مصلحة الاقتصاد العالمي، إلا أن صبر الدول الغربية بدأ في النفاد مما يبدو لهم بمحاولات المماطلة الصينية، وإن نفد الصبر فقد تشارك دول الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة في حرب اقتصادية ضد الصين. وفي كلمتها في افتتاح المعرض، لم تخف رئيسة صندوق الدولي عن مخاوفها من هذه الحرب، داعية إلى إصلاح الاقتصاد بدلاً من تصعيد هذه الحرب، موضحة أن الصين بدأت فعلاً في تغيير وضعها الاقتصادي، ومؤكدة أيضاً على أهمية تسريع وتيرة هذا التغيير. وبين الدول الغربية، ووعود الرئيس الصيني التي تبدو فارغة لهم، تتجلى أهمية قمة العشرين المنتظرة لإيجاد مخرج لهذا النفق المظلم.