خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

عود لليمين واليسار

نعم أصبحت مهووساً بموضوع اليمين واليسار. إنها مدلولات لها رمزياتها. يبدأ سير كل جندي بتقديم القدم اليسرى والفارس يقدم احتراماته بانثنائه على قدمه اليسرى. والتحية تجري باليد اليمنى والبندقية تحمل على الكتف اليسرى. وفي جزر هاواي، تضع البنت البكر زهرة كبيرة على صدغها الأيمن وعندما تتزوج وتصبح ثيباً تنقلها إلى صدغها الأيسر، أو ربما بالعكس، فلا أتذكر تماماً وأنصح أي مسافر لتلك الجهات ويفكر بالزواج من امرأة هونولولية، أو هيلوهوية، أن يتأكد أولاً من وضع الوردة الصحيح لئلا يقع في سوء تفاهم وأتحمل أنا المسؤولية.
والتمسك باليسار أو اليمين لا ينطبق على حالة اليقظة فقط، بل ويسري على النوم أيضاً. هناك من يعتقد أنك تعرف الإنسان لا من أقواله وأفعاله، وإنما من نومه أيضاً. وهذه حقيقة يعترف بها كبار العلماء كالدكتور يونغ وسيغموند فرويد وكثير من خبراء النوم كمثقفي إيران. ولي صديق تزوج امرأة في غاية الجمال وكمال العقل. وفي حينها كدت أتزوجها شخصياً لولا أنه خطبها وعقد عليها بينما كنت أنا مستغرقاً في النوم. وجاءني فيما بعد يشكو همومه منها ويفكر في طلاقها، فحذرته فوراً ومباشرة. احذر يا أخي من أن تطلقها وأنت نائم. ثم دخلنا في الموضوع فشكا من عدم محبتها له. فاستبعدت ذلك وسألته عن دليله فقال إنه اكتشف ذلك في النوم. كلما ذهبا إلى الفراش واستغرقا في النوم وجدها تدير ظهرها نحوه ووجهها نحو الحائط. ومهما حاول تغيير لون الحائط فإنها ظلت تفضله على زوجها. قال وفي كثير من الأحيان عمد إليها وهي مستغرقة في النوم فقلبها بكل أناة وأدار وجهها نحوه. ولكن في كل مرة، لا تمر عشر دقائق حتى يراها تعيد الكرة فتقلب نفسها، ظهرها نحوه ووجهها نحو الحائط.
قال صاحبي: وأنت يا أخي رجل دارس وتعرف ما يقوله علماء النفس في هذا الصدد. زوجتي لا تحبني، بل وتفضل الحائط علي. وأعترف بأنني وجدت الظاهرة عسيرة الفهم. قلت له: ربما يا عزيزي تخرج من فمك روائح كريهة في الليل فتزعجها أنفاسك. قال: لا. ثم قلت: ربما تخرج منها مثل هذه الأنفاس فتحاول إبعادها عنك. قال: لا. ليس لديها مثل هذه الأنفاس، وقلت لها ذلك. وبعد استعراض سائر الاحتمالات، نصحته بأن ينقل لطرف آخر من الغرفة ويستبدل جانب نومها من السرير. ففعل وجاءني مستبشراً. إنها الآن لا تنام إلا ووجهها نحوه وظهرها نحو الحائط. لقد اتضح أنها امرأة يسراوية النوم ولا تستطيع النوم على جانبها الأيمن.
ولهذا التفضيل تفاسير كثيرة. النوم على الجانب الأيمن يؤدي إلى إلقاء ثقل المعدة على الكبد فترهقه، والنوم على الجانب الأيسر يؤدي إلى وضع ذلك على الطحال ومن ثم إرهاقه. ومن الواضح أن تلك السيدة كانت تعتز بالكبد أكثر مما تعتز بالطحال. وهذه مسألة ذوق. وعلى كل الراغبين في الزواج أن يتحققوا أولاً أي العضوين تفضل وما إذا كانت يسراوية النوم أو يمينية.