خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حذار من تصحيح القائد الملهم

أثار موضوع العلم العراقي وعبارة «الله أكبر» المنقوشة عليه كثيراً من النقاش منذ سقوط النظام البعثي. لهذه العبارة في الواقع تاريخ ظريف. لقد أمر بها صدام حسين ليتملق الإسلاميين. سرعان ما أثارت كثيراً من التساؤل والاستغراب. فقد كتبت لفظة الجلالة وهي تحمل الهمزة على الألف. استغرب الناس أن يقع في مثل هذا الخطأ الفاضح أبناء العراق، بلد سيبويه ونفطويه ومدرسة الكوفيين والبصريين. كيف وقعوا في مثل هذا الخطأ؟ وكيف لم يجرؤ أحد على تنبيههم إليه والمبادرة لتصحيحه. ظلت الأعلام العراقية حتى سقوط النظام تحمل عبارة التكبير بهذا الخطأ، الهمزة على لفظة الجلالة. حار الناس في تفسيرها.
ولكنني تذكرت ما جرى لسكة حديد لينينغراد - موسكو. فهذا الخط الطويل من السكة الحديدية يمتد باستقامة تامة ويظل القطار يسير في خط مستقيم حتى إذا ما اقترب من موسكو انحرف إلى الجنوب وأخذ قوساً منحنياً لعدة أميال من دون أي مبرر جغرافي أو طوبوغرافي، حتى يستقيم ثانية ويصل إلى المحطة النهائية في موسكو. حار القوم في أمر هذه الحنية. ولكن بعد سقوط النظام السوفياتي، انكشف سرها. لقد بني هذا الخط بأمر ستالين. استدعى الزعيم السوفياتي مهندسي السكك الحديدية. قال لهم: أريد منكم خطا مباشرا مستقيما إلى موسكو. قالوا له: هذا غير ممكن يا حضرة الرفيق. لا يمكن مد هذا الخط بصورة مباشرة مستقيمة من لينينغراد إلى موسكو. فقال لهم: ولم لا؟ هاتوا الخريطة، فجاءوه بها. هاتوا المسطرة. ها هي المسطرة. وضع المسطرة على الخريطة وثبتها بيده بحيث خرج إبهامه منها. ثم أخرج قلمه ورسم الخط الذي انحرف قليلاً حول إبهامه. ثم سلمهم الخريطة. وقال: نفذوا هذا الخط. فنفذوه تماماً وأصبح انحناء الخط حول إبهام ستالين هو الحنية الكبيرة التي يقوم بها القطار قبيل وصوله إلى موسكو.
تذكرت هذه الحكاية عندما أثير موضوع الهمزة على لفظة الجلالة، قلت لأصحابي: أعتقد أن ما حدث هو أن صدام حسين استدعى طارق عزيز، وقال له: أريدكم أن تضيفوا هذه العبارة إلى العلم العراقي. ثم أخرج القلم وكتب عبارة «الله أكبر» على الورقة. وفي عدم إدراكه للعربية، وضع همزة على الألف في لفظة الجلالة «الله». أعطاها لطارق عزيز، وقال: أضيفوا هذا على العلم. لم يجرؤ طارق عزيز على تصحيح الخطأ وسلم الورقة للخطاطين. «اكتبوا هذا على كل الأعلام العراقية».
وبالطبع لم يجرؤ أي واحد منهم على تصحيح ما تسلموه من نائب رئيس الوزراء. كفى به قولاً إنه ما خطه الرئيس صدام حسين. قاموا هم أيضا بتداول الخط كما وردهم. ظل الخطاطون والخياطون والرسامون والمعلمون وطلاب المدارس ينقلون العبارة دون أن يفطنوا إلى الخطأ المتأصل فيها، ومن يفطن لا يجرؤ. وكلهم يؤدون التحية للعلم المرفوع أمامهم. وبقي الحال كذلك حتى سقط النظام وأتلفت كل الأعلام المغلوطة. ويمكنك الآن يا سيدي القارئ المحترم أن تعرف الآن البعثي من غير البعثي من كتابة عبارة «الله أكبر»؛ فالبعثي الأصيل تراه يتمسك بالهمزة.