يونـس سليمـاني
صحافي جزائري يشرف على الشؤون الدولية في «الشرق الأوسط»
TT

تعليق الأمل .. مؤقتاً

شخصياً، توقفت عن إيلاء اهتمام كبير لمتابعة الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الجزائر بعد نحو أربعة أشهر من الآن. فعلى مدى شهور طويلة، سمعت وقرأت عن طروحات كثيرة، وأحياناً متباينة، بعضها يؤكد ترشح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لفترة رابعة في استحقاق ربيع 2014، وبعضها ينفي ذلك ويتحدث عن تسويات وسط أركان الحكم لترشيح شخصية أخرى أبرزها عبد المالك سلال. ومما زاد الوضع مللاً، تسرب أنباء كثيرة أيضاً عن احتمال إجراء تعديل دستوري "آخر" هدفه إحداث إصلاحات سياسية كبرى "في الربع ساعة الأخير" من الفترة الرئاسية الحالية وجعل النظام السياسي للجزائر شبيها بالنظام السياسي للولايات المتحدة. كما ترددت أفكار أخرى قوية عن هدف محدود للتعديل الدستوري، يتمثل في استحداث منصب لنائب رئيس الجمهورية، بهدف حل أزمة صعوبة تنشيط حملة الرئيس بوتفليقة في ظل وضعه الصحي المعروف.
اللافت ان كل هذه الأنباء، وغيرها كثير، يرددها الإعلام نقلاً عن تسريبات رسمية "مطلعة"، بينما الجهات الرسمية المعروفة (الحكومة) تحجم عن تأكيد أي شيء أو نفيه. بعض المتابعين للشأن العام الجزائري يضع هذا الغموض في إطار طبيعة السياسة المنتهجة من قبل الحكم منذ الاستقلال، واعتماده على عوامل السرية والمفاجأة والتقليل من التصريحات. والبعض الآخر يدرجه في خانة ضياع البوصلة والافتقاد إلى رؤية دقيقة لكيفية تدبير المرحلة المقبلة.
في رأيي المتواضع، هذا الغموض قد يكون مبرراً ومفيداً في حالات ما، إلا واحدة: ترك الشعب الجزائري في حالة غموض إزاء مسألة مهمة مثل انتخابات الرئاسة. والغريب انه في ظل تواتر التسريبات وصمت السلطة عن خياراتها للمرحلة المقبلة، ارتأى بعض السياسيين و"المواطنين" تجريب حظهم والإعلان عن عزمهم الترشح للرئاسة، رغم أن جميعهم يعلم مسبقاً أن السلطة هي التي تقرر خيارها والصندوق يسير آلياً وفقاً لذلك القرار.
هذا المناخ لا يمكن تفسيره سوى بفشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 1999 في إحداث إصلاح للنظام السياسي للبلاد، سواء من حيث الآليات أو الشخوص، والوصول إلى مرحلة يشعر فيها الجزائريون بالأمان السياسي، ويطمئنون مسبقاً أنهم غداة تصويتهم، سيحتفلون بانتقال القيادة من رئيس لآخر ويشهدون "حفل تسلم وتسليم" وفقاً لآليات ديمقراطية متعارف عليها دولياً، على الأقل مثلما تسلمها الرئيس بوتفليقة نفسه من سلفه الرئيس ليامين زروال، الذي أرهقته ضغوطات الخصوم في مرحلة التسيعينات وأعلن في 11 سبتمر 1998 عزمه التنحي، لكن بمسؤولية عالية، إذ واصل فترته إلى أن نظم انتخابات وسلم مفتاح قصر المرادية في أبريل (نيسان) 1999 إلى خلفه في أجواء نادرة الحدوث في العالم العربي.
صرت أخشى على نفسي من أن تتمكنّي قريباً قناعة مفادها أن البلاد تعيش وقتاً "ضائع القيمة" لا يمكنه أن يعرف تحقيق إنجازات كبرى ولا صغرى، رغم الأرقام المالية الفلكية التي يتحدث عنها المسؤولون للتنمية. المال الكثير بدون رؤية ثاقبة وعقول مهندسين سياسيين واقتصاديين حقيقيين لا يفعل شيئاً، بل ربما يتحول إلى وبال، وفي المقابل فإن العقول النيرة ولو بإمكانات محدودة يمكنها صنع المعجزات كما هو معروف.
ولهذه الاعتبارات، قررت تعليق الأمل، الذي هو طبع متجذر في شخصي، واستئنافه في مرحلة مستقبلية ما، أتمنى أن لا تطول.