إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

ملك آشور في المزاد

في حدث ذي طنّة ورنّة، أعلنت دار «كريستيز» في نيويورك أنها ستبيع، آخر الشهر الجاري، تحفة نادرة بالمزاد العلني. وبهذه المناسبة، طبعت الدار كتيباً مصوراً في 70 صفحة، يقدم وصفاً لتاريخ «البضاعة» وأبعادها وتفاصيلها وجمالياتها وما قيل عنها في كتب الأقدمين. وتكفي نظرة واحدة على الصور المنشورة في موقع الدار لكي تجعلك تضع يدك على قلبك. هؤلاء أجدادنا يُتاجر بهم مثل الجواري في أسواق النخاسة.
ترتفع الجدارية لمترين، وتمتد لأكثر من ذلك عرضاً. وتحمل نحتاً بارزاً للملك آشور بانيبال، وهي قد جاءت، أي انتزعت، من قصر الملك آشور ناصربال الثاني في نينوى، الموصل حالياً، على الضفة الشمالية الغربية لدجلة. وبخلاف العادة، لا يحدد دليل المزاد الثمن المطلوب لها، ويشير إلى أنه يكشفه لمن يطلبه بشكل شخصي. وبما أن الجدارية تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وهي تحفة باهرة سليمة من الثلوم والتصدعات، فمن المؤكد أن سعرها بأكثر من سبعة أرقام. وأسمع من يقول إن إرث الشعوب لا يُقدّر بثمن. فمن ذا الذي يسوق الملك العظيم بانيبال، محبوب الآلهة إنليل، إلى صالة مركز روكفيلر في نيويورك؟
نفهم من الدليل أن الجدارية كانت من ممتلكات السير أوستن هنري ليارد، الرحالة والمنقب وعضو البرلمان الذي كان سفيراً لبريطانيا في تركيا. ولما توفي في عام 1894، انتقلت إلى الأميركي هنري بايرون هاسكل، الطبيب المرسل إلى الشرق والأستاذ في جامعة «مين» في مشيغان. وقد تفاوض على نقل الجدارية من الموصل إلى متحف كلية بودوان مقابل 500 دولار. لكن الكلفة زادت 200 دولار ورفضت الكلية دفع الفرق. وفي عام 1859 وضعت الجدارية في كلية اللاهوت في فرجينيا وظلت هناك.
جاء في وصف الجدارية أنها تصوّر الملك بلحية مستطيلة وجناحين، يرتدي قبعة وعباءة مهدلة فوق سترة وربطة عنق، ينتعل صندلاً مرصعاً، ويتزين بحلق متدلٍ وسوار وقلادة وما يشبه الساعة الصغيرة على يمين قبعته. وفي حزامه خنجران. يحمل في يده اليمنى مخروطاً من نخيل التمر المقدس، وتحيط به كتابات وصفوف نخيل.
في بغداد، انتبهت وزارة الثقافة إلى إعلان «كريستيز»، وأرسلت خطاباً إلى ممثليات العراق في الدول المعنية لوقف عملية البيع. واهتمت «اليونيسكو» بالأمر، باعتبارها المنظمة الدولية التي تعنى بأمور الإرث الحضاري للإنسانية. وتبين بعد التقصي أن الجدارية غادرت الموصل في القرن التاسع عشر، أي نُهبت قبل الاتفاقية التي عقدتها المنظمة، عام 1970، لاستعادة الممتلكات الثقافية المنقولة دون وجه حق. يبقى أن «اليونيسكو» ترعى حالياً حملة ضخمة لـ«إعادة إحياء روح الموصل». وبهذا يمكنها التفاوض مع أصحاب الجدارية وتوفير المبالغ اللازمة لاقتنائها. وجرت العادة في الغرب أن تعتمد المتاحف على تبرعات الأثرياء وعلى جمعيات الأصدقاء، أي الرواد العاديين البسطاء، لتمويل حملات من هذا النوع. فهل هناك جمعية لأصدقاء آشور بانيبال والمتحف العراقي أو متحف الموصل؟ أظن أن المواطن المقهور بألف مشكلة ومشكلة لن يمدّ يده إلى جيبه، عن طيب خاطر، لينجد دولة أفقرتها السرقات المليارية.