تايلر كاون
بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

عن التغيّرات المناخية واستجابتنا لها

يوماً تلو آخر تزداد المؤشرات وضوحاً، ذلك أنه ثمة احتمال أن نكون قد أخطأنا في تقديراتنا وتأتي التكاليف المحتملة للتغييرات المناخية أكبر مما قدرناه. ولا يتعلق الأمر بالاضطرابات المحتملة في أنظمة المناخ والزراعة والمدن الساحلية، وإنما بأسلوب استجابتنا لهذه المشكلات على نحو ساذج ومدمر. ومثلما قالت الشخصية الكرتونية الشهيرة، بوغو، فإننا «التقينا العدو وهو نحن».
وللتأكد من ذلك ليس عليك سوى إمعان النظر في مدى رداءة استجابتنا للكثير من المشكلات التي لا علاقة لها بالمناخ. على سبيل المثال، في ما يتعلق بـ«بريكست»، فإن الحركة المؤيدة لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي كان من المفترض أنها تشكّل استجابة لبعض المشكلات الحقيقية، منها النظام البيروقراطي البالغ الصرامة في الاتحاد الأوروبي، بجانب عجز المملكة المتحدة عن التوصل لترتيبات مثالية بخصوص الهجرة مع دول الاتحاد. إلا أن «بريكست» اليوم يتحرك في اتجاه كارثة محققة، مع عدم توافر خطة محددة، ووجود أكبر حزبين بالبلاد في حالة يرثى لها، وتراجع الجنيه الإسترليني، ووجود أخطار تتهدد اتفاق «الجمعة الطيبة» الآيرلندي، وحديث المملكة المتحدة بجدية عن تخزين الغذاء، وعدد من إجراءات الطوارئ الأخرى.
وكان سيصبح من الأفضل لو أن البريطانيين استجابوا للمشكلات التي تعانيها بلادهم على نحو أقل تطرفاً، أو إذا تعلموا ببساطة التعايش مع مشكلات وطنهم. بدلاً عن ذلك، صوّتوا لصالح علاج متعجّل ولم تجرِ دراسته بحرص.
وبالمثل، فإنك ربما تعتقد أن أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترمب لديهم مخاوف مشروعة حول الهجرة غير القانونية وعدم استعداد الولايات المتحدة للوقوف في وجه الصين. ومع هذا، فإن هاتين المشكلتين لم تكونا بحاجة إلى «حلٍّ» رئاسيٍّ أحدث حالة من الفوضى والهرج داخل البيت الأبيض وعلى صعيد السياسات الخارجية الأميركية على حد سواء.
موجز القول، إن العالم على ما يبدو يحاول إيجاد حلول متطرفة وغير حذرة لمشكلات معقدة. ولا يبدو أن ردود الفعل المبالغ فيها تلك ليست مجرد مصادفات، وإنما ناشئة عن مشهد سياسي يتسم بالاستقطاب - تحديداً، أصبح الخطاب السياسي أقل عقلانية وتكنوقراطية.
وفي ما يتعلق بالتغييرات المناخية، نجد أن جميع هذه العناصر تتفاعل على نحو مثير. داخل الولايات المتحدة، تخيل أن الكثير من سكان فلوريدا سيتعين عليهم الرحيل عن منازلهم إلى الأبد بسبب العواصف العاتية أو ارتفاع منسوب مياه البحر. وربما يتضمن التوجه العقلاني إزاء التعامل مع هذه المشكلة بناء أسواق تأمين فاعلة على نحو جيد وبعض إجراءات النقل والتعويض المرتبطة بالقطاع العام، والتخطيط على نحو أفضل للبنية التحتية. وينبغي أن تدور الفكرة المحورية حول تقليل أعداد من سيُضطرون إلى ترك منازلهم، أو على الأقل تقليل تكلفة ذلك. ومع أن هذا التوجه ربما يستلزم تكاليف كبيرة، فإنها تبقى في متناول ما يمكن إدارته.
بيد أنه ربما ليس هذا ما سنحصل عليه. بدلاً عن ذلك، فإن فتح النقاش حول هذا الأمر ربما يضفي طابعاً راديكالياً على المشهد السياسي في فلوريدا، الأمر الذي سيخلف عواقب على الصعيد السياسي الوطني، نظراً إلى كون فلوريدا واحدة من الولايات القادرة على حسم نتائج الانتخابات. وعلى المستوى الفيدرالي، فإن تمرير مشروع قانون خاص بالبنية التحتية سيوجه أموالاً ضخمة للغاية إلى مشروعات جديدة لا طائل من ورائها داخل ولايات أقل سكاناً. وفي كل مكان، ستتسبب النبرة القاسية للجدل الدائر حول المناخ في مزيد من التقويض للمشهد السياسي الأميركي.
ودعْنا ننظرْ إلى خارج الولايات المتحدة: تخيل أن التغييرات المناخية أجبرت أعداداً كبيرة من الأشخاص على الهجرة إلى خارج بنغلاديش. المفترض أن يتضمن رد الفعل النموذجي تقديم مساعدات أجنبية والتعاون من أجل استقبال اللاجئين في عدد من الدول المختلفة. إلا أنه اليوم ونحن في عام 2018 وفي أعقاب أزمتي سوريا وليبيا، هل هناك من يتوقع حقاً مثل هذه الاستجابة العقلانية؟ في الحقيقة الأكثر احتمالاً وقوع صدامات على الحدود مع الهند، وتفاقم حالة الراديكالية في المشهد السياسي الهندي (ربما تظهر دعوات لبناء سور)، وامتلاء معسكرات اللاجئين بمئات الآلاف، وظهور مزيد من الإرهاب المتطرف في بنغلاديش.
في الواقع، شعرت بصدمة إزاء تكاليف التغييرات المناخية الواردة في تقرير اللجنة الدولية المعنية بالتغييرات المناخية التابعة للأمم المتحدة. وأشار التقرير إلى أن التكلفة المقدرة تبلغ من 1 إلى 5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي مقابل ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 4 درجات سيليزية -تقدير يعد مطمْئناً نسبياً. على أيّ حال، فإن إجمالي الناتج الداخلي ينمو اليوم بمعدل يفوق 4 في المائة سنوياً. وإذا بلغت تكلفة التغييرات المناخية 4 في المائة «فقط» من إجمالي الناتج الداخلي على أساس مرة واحدة، فإن الاقتصاد العالمي باستطاعته تعويض التكاليف في غضون أقل عن عام في صورة نمو اقتصادي. ومع أن هذا يبدو مكلفاً، إلا أنه ليس مأساوياً.
بيد أنه للأسف ليست هذه الطريقة الصحيحة للتفكير في المشكلة. عليك النظر إلى ضربة الـ4 في المائة لإجمالي الناتج الداخلي، إذا كان هذا الرقم صحيحاً، باعتبارها فجوة غير متساوية الأطراف إطلاقاً. وبالنظر إلى الطريقة التي تسببت بها الأزمة السورية في إحداث تمزق في صفوف الاتحاد الأوروبي والمشهد السياسي الألماني الداخلي، هل يبدو لك من الجنون الاعتقاد بأن التغييرات المناخية ستقوض التعاون الدولي على نحو أكبر؟ في الواقع، لقد بدأت التكاليف الحقيقية المحتملة للتغييرات المناخية تتكشف للتوّ.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»