محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

إيطاليا ليست اليونان... إنها أفضل وأسوأ

بعد 4 أيام متعاقبة من انتشار المخاطر المتزايدة، وبعد أن صرح أحد السياسيين البارزين، كلاوديو بورغي، بأن هناك ميزة كبيرة في امتلاك «العملة الخاصة ببلادنا»، فإن إيطاليا تعود مباشرة للظهور على شاشات الرادار العامة والخاصة باعتبارها مصدراً كبيراً ومحتملاً من مصادر الاضطرابات الاقتصادية والمالية المنظمة. ولقد أسفر ذلك عن وجود اقتراحات بأن هذه الدولة يمكن أن تتحول إلى «اليونان الجديدة».
وفي حين أن هناك قدراً من التشابه بين الحالتين الإيطالية واليونانية، فإن الاختلافات بينهما كبيرة وواضحة للغاية، وبما يكفي للاقتراح أن يركز المستثمرون في إيطاليا انتباههم على مجموعة مختلفة من العوامل.
في غضون أقل من أسبوعين، ارتفعت المخاطر في السندات الإيطالية ذات السنوات العشر بنحو 60 نقطة أساس، وصولاً إلى نحو 3 نقاط مئوية كاملة، وهو المستوى الذي لم تبلغه السندات الإيطالية منذ عام 2014. ولقد انتشر الأمر إلى سوق الأسهم الإيطالية، حتى أماكن أخرى في أوروبا بدرجة أقل. كما ألقى الأمر بضغوطه اللازمة على اليورو الأوروبي.
وكان الدافع الفوري لانتشار المخاطر هو إعلان الحكومة الإيطالية عن هدف العجز في الموازنة الذي يتجاوز المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي. ويعد الانخفاض التدريجي في شراء السندات الإيطالية من جانب البنك المركزي الأوروبي من المسائل المثيرة لقلق بعض المستثمرين. ولكن المساهم الأصلي في الاضطرابات الراهنة هو المزيج متوسط الأجل من الدين العام المرتفع، وبعض المصارف غير المستقرة، والنمو المتباطئ باستمرار.
ولقد تفاقمت مخاوف الأسواق بسبب بعض التصريحات السياسية العلنية غير المفيدة، وليست فقط من جانب السياسيين الإيطاليين المشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي مثل بورغي، وإنما من جانب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر الذي قال في مقابلة تلفزيونية أخيرة: «علينا أن نفعل ما بوسعنا كي نتجنب ظهور يونان جديدة في أوروبا، وهذه المرة سوف تكون الأزمة إيطالية».
إن التوازي مع اليونان قبل بضعة أعوام من المقارنات المفهومة. وتتشارك الحالتان في 3 أوجه للتشابه على أقل تقدير...
1- بالنسبة إلى الديون؛ هناك مزيج هش من الالتزامات العامة الكبيرة ذات الصلة بالناتج المحلي الإجمالي، وكثير من إصدارات السندات الحكومية المتعلقة بالنظام المصرفي القائم، والمخاوف من المقدرة على تحمل أعباء الديون على المدى المتوسط.
2- بالنسبة إلى الاقتصاد الحقيقي؛ نموذج النمو الذي فشل مراراً في توفير الازدهار الكبير والشامل.
3- بالنسبة إلى السياسات؛ ظهور الحركات المناهضة للمؤسساتية التي لا تخجل من تسييس قضية منطقة اليورو.
ومع ذلك، هناك أيضاً اختلافات مهمة تشير إلى ديناميات مختلفة تماماً تحكم مدى التهديد النظامي الذي ينتشر في البلدين.
فعلى العكس من اليونان، تعتبر إيطاليا أحد أكبر الاقتصادات في أوروبا، وهي عضو أصيل في مشروع التكامل الاقتصادي الأوروبي. ونظراً لحجمها الكبير، فإن احتياجات البلاد الإجمالية من التمويل باليورو تعتبر هائلة عند مقارنتها بشبكات الأمان الإقليمية الموضوعة للتعامل مع البلدان المضطربة مالياً. وعلى هذا النحو، فإن المشكلة الكبيرة في إيطاليا من شأنها أن تشكل مصدراً كبيراً ومهماً وأكثر استدامة للمخاطر الشاملة، من الناحية الاقتصادية وليست المالية. وليس من المبالغة القول إنه إن تعثرت روما بقوة فيمكن أن تشكل تهديداً وجودياً لمنطقة اليورو الأوروبية بأسرها.
ولكن خلافاً لليونان كذلك، لا تعاني إيطاليا حالياً من عجز في الحساب الحالي «بل هناك فائض»، ومتوسط مدة الديون المعلقة أطول من اليونان. ومع انخفاض مخاطر العجز المالي على المدى القصير، فإن المحدد الرئيسي للاضطرابات الاقتصادية المحتملة يكمن في الاضطرابات الناجمة عن السياسات المحلية والإقليمية التي تعتمدها روما. وهذا هو العامل الأكثر أهمية، والمستحق لمزيد من الانتباه من قبل المستثمرين.
وكان الأمر الذي أنقذ عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي قبل بضعة أعوام هو التهديد الوشيك بإعلان العجز. وخشية الصدمة التي يمكن أن تعصف بالاقتصاد إلى هوة الكساد لسنوات متعددة وتغير بشكل أساسي كثيراً من العلاقات الاقتصادية والمالية والإقليمية بالنسبة إلى اليونان، تخيرت حكومة حزب سيريزا الحاكم اتباع المنهج التقليدي، على الرغم من أن الحزب قد فاز في الانتخابات والاستفتاء من خلال دعم وإسناد الأجندة السياسية التي تؤيد العكس تماماً.
وتكمن آمال كثير من المستثمرين - فضلاً عن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، ومسؤولي البنك المركزي الأوروبي، وكثير من صناع السياسات الآخرين في العواصم الأوروبية المختلفة - في أن تلعب الحكومة الإيطالية دوراً محورياً مماثلاً، على الرغم من تراجع مخاطر العجز الفوري. ولدى القيام بذلك، سوف تحتاج روما إلى صياغة برنامج أكثر شمولاً يهدف إلى تحقيق النمو المرتفع، والشامل، والمستدام.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»