إميل أمين
كاتب مصري
TT

الملالي... التهديد السيبراني لا يفيد

لم تخطئ وزارة الخارجية الأميركية حين صدر تقريرها الأيام القليلة الماضية والمتعلق بحالة الإرهاب حول العالم، حين وصفت إيران بأنها لا تزال أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وأن جل وعودها التي قطعتها على نفسها حين وقعت الاتفاق النووي (خمسة زائد واحد)، كانت أضاليل لم تلتزم بها، وأنه لا نية لديها للتوقف عن دعم الإرهاب إقليمياً وعالمياً.
احتلت إيران في التقرير الأخير موضعاً في مقدمة الدول التي تجاوزت الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالتهديد الإرهابي، وأشار معدو التقرير إلى أن طهران حافظت على أنشطتها المتعلقة بالإرهاب والمزعزعة للاستقرار من خلال الحرس الثوري وقوة فيلق القدس التابعة له، و«حزب الله» في لبنان.
على أن أحدث ما ورد في التقرير ويستدعي الحديث عن وجه آخر من أوجه الدعم الإيراني للإرهاب، هو ذاك المتعلق بأحدث أنواع طاعون القرن الحادي والعشرين «الإرهاب السيبراني»، الذي بات يمثل نوعاً من أنواع الحروب غير المرئية، والتي تجري بها الأيادي الآثمة والعقول الشريرة في الفضاء الإلكتروني، ويمكنها من إحداث خسائر فادحة على صعيدين؛ الأول هو المنشآت والممتلكات، سيما الحيوية والاستراتيجية منها مثل منشآت الطاقة والمحطات النووية والمواقع العسكرية وشبكات الكهرباء.
والثاني الصعيد العقلي الجمعي، أي إحداث اختراقات في الرأي العام وتوجيه الجماهير لشق صفوف أي مجتمع.
تقرير الخارجية الأميركية يشير إلى أن الحكومة الإيرانية تحتفظ ببرنامج إلكتروني هجومي قوي، وقد رعت الهجمات الإلكترونية ضد الحكومات الأجنبية، وكيانات القطاع الخارجي، الأمر الذي كانت شركة «فايبر آي» للأمن السيبراني قد أكدته من قبل، وذلك حين أشارت بدورها إلى أن إيران ومنذ عام 2013 قد استهدفت، شرقاً أوسطياً وأميركياً، الكثير من المنشآت العسكرية والتجارية العاملة ضمن قطاعي الطيران والطاقة.
هل هناك فصل جديد في تهديدات إيران السيبرانية هذه الأيام؟
مع حلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أي بعد نحو ستة أسابيع، سوف تشهد الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وهي على درجة مهمة جداً هذه المرة، وبخاصة في ظل الصراع الدائر بين النخبة أو الدولة الأميركية العميقة وبين الرئيس ترمب، من جراء إشكالية «روسيا - غيت» إن جاز التعبير.
يحاول الديمقراطيون جاهدين السيطرة على غرفتي الكونغرس، العليا ممثلة في مجلس الشيوخ، والدنيا في مجلس النواب، وتمثل تلك السيطرة بالنسبة لهم الأداة التي تمكنهم من إزاحة الرئيس حال ثبتت الاتهامات ضده بشكل قاطع.
في أوائل الشهر عينه سوف تطبق المجموعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران، وهي الأكثر وقعاً وفعالية ويمكن القول الأكثر إيلاماً ووجعاً للملالي، حيث سيمنع النفط الإيراني من أن يجد طريقه للعالم الخارجي، ما يعني انهياراً كاملاً للاقتصاد الإيراني، وما يستتبعه ذلك من ثورة وليس هبة أو انتفاضة جماهيرية إيرانية، بحثاً عن الخبز، ورفضاً للشعارات الآيديولوجية الجوفاء التي لا تملأ البطون.
هل تخطط إيران إذن لهجمات سيبرانية جديدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط والخليج العربي تحديداً في الأسابيع المقبلة؟ وإن فعلت ذلك فهل تسير على نهج تجربة اختراقية سابقة حدثت بالفعل على الأراضي الأميركية خلال العامين الماضيين؟
يبدو أن الإيرانيين في طريقهم لمحاكاة التجربة الروسية التي يجمع الكثيرون على أنها حدثت في زمن الانتخابات الرئاسية الأميركية الماضية 2016 حين استطاعوا (الروس) اختراق الحواسيب الإلكترونية للحملة الرئاسية للحزب الديمقراطي، ما أدى إلى خسارة هيلاري كلينتون وفوز دونالد ترمب، عبر شق صف الرأي العام الأميركي، وإحداث بلبلة مجتمعية لا تزال دائرة رحاها حتى الساعة.
في بيانات أخيرة لها تقول شركة «فايبر آي» للأمن السيبراني إن مجموعة قراصنة إلكترونيين إيرانيين يطلق عليهم «إيه بي تي 33»، الذي هو اختصار لـ«التهديد المستمر المتقدم»، قد نشطت في إحداث هجمات على منشآت وشركات في الداخل، الأمر الذي أكده نورم رول المدير السابق لقسم إيران في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية.
لن تكون هجمات إيران السيبرانية المقبلة جديدة من نوعها؛ ففي شهر أغسطس (آب) الماضي، قامت شركات «غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر» بحملة لإغلاق مئات الحسابات التي تديرها أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، في إطار حملات تضليل إعلامي تستهدف الشعب الأميركي لخداعه، وتقديم صورة وأجندة جيوسياسية غير حقيقية لإيران، ما دعا آني ديسكلير مديرة المشاريع الكبرى في مشروع الحرب الاقتصادية عبر الإنترنت في معهد «الدفاع عن الديمقراطيات» للإشارة المؤكدة إلى أن جهات فاعلة ترعاها أجهزة الدولة الإيرانية قامت بإنشاء مئات من صفحات «فيسبوك» المزورة وحسابات «تويتر» ويوتيوب منذ عام 2011 وخدعت مئات الآلاف من الناس بهذه الحسابات الوهمية.
استدعت تهديدات إيران السيبرانية ومن قبلها وبعدها التهديدات الروسية المماثلة، ثورة أميركية داخلية في التعاطي مع تلك النوعية الجديدة من الحروب، ما تمخض عن إعلان واشنطن الأسبوع الماضي على لسان جون بولتون مستشار الأمن القومي عن أول استراتيجية إلكترونية مفصلة بالكامل خلال الخمس عشرة سنة الماضية.
تصريحات بولتون تبين أن أميركا عازمة على الرد بطريقة هجومية ودفاعية على كل من يقترب من أمنها السيبراني، بل يضيف أن بلاده لن تكتفي بالرد في الفضاء عينه، ما يعني أن الانتقام سيجد طريقه عبر الأرض والبر والجو الفعلي لا المتخيل فحسب.
من جهته كان مايك بومبيو وزير الخارجية يقطع بأن إيران ووكلاءها سوف يحاسبون على إرهابهم المهدد للمصالح الأميركية.
رهانات إيران على إثارة الانقسامات في الشعب الأميركي وتقويض الثقة بالمؤسسات الديمقراطية رهان خاسر لسبب بسيط، وهو أن الآلية الديمقراطية الأميركية قادرة على تصويب مساراتها حين يحدث انحراف، إنما الكارثة التي لا يعيها الملالي تتمثل في أنهم أصبحوا خلواً أمام شعبهم من أي أوراق حقيقية لتجنب ثورة جياع الإيرانيين في الداخل عما قريب.
الخلاصة... للملالي التهديد السيبراني لا يفيد.