د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الأحواز... الدولة العربية التي ابتلعتها إيران

الأزمات الإيرانية الناتجة عن شيخوخة النظام الإيراني، ونخر السوس في كراسي حكمه، كانت جراء المعالجات الخاطئة لأزماته الداخلية من جانب، وتصديرها للخارج من جانب آخر، ولعل الهجوم المسلح على أفراد «الحرس الثوري» في الأحواز هو الآخر أظهر للسطح أزمة ومأساة ومعاناة شعب عربي حاولت إيران الفارسية طمسه على مدى 90 عاماً.
الأحواز الدولة العربية التي ابتلعتها إيران، وتطلق عليها «خوزستان»، في محاولة لطمس هويتها العربية، بعد أن كانت تسمى «عربستان» باللغة الفارسية، ثم قلبت الحاء هاءً، فأصبحت أهوازاً بدلاً من أحواز، ضمن سلسلة من محاولات طمس معالمها العربية، أعقبها منع اللغة العربية فيها، والتضييق على أهلها حتى في ملابسهم العربية. والأحواز العربية غنية بالثروات، خصوصاً النفط، حيث إن 85 في المائة من النفط الذي تبيعه إيران تستخرجه من الأحواز العربية، وهذا يفسر وصف الرئيس الإيراني محمد خاتمي لها بقوله فيها «إيران با خوزستان زنده است» ومعناها «إيران تحيا بخوزستان»، ولعل هذا يفسر استمرار مطامع إيران في احتلال الأحواز، التي يعيش فيها أفقر شعب عربي تحت الاحتلال الفارسي.
الأحواز أو عربستان، أو الدولة المشعشعية العربية، التي ابتلعتها إيران عام 1925م، حين خشيت بريطانيا من قوة الدولة الكعبية، فاتفقت مع إيران على إقصاء أمير عربستان، وضم الإقليم الغني بالنفط إلى إيران، فإقليم الأحواز العربي الجذور والتاريخ والجغرافيا كان ضمن دولة حمورابي، ويعود وجود العرب فيه إلى سنة 311 قبل الميلاد، وكان تحت حكم الخلافة الإسلامية يتبع ولاية البصرة، إلى أن نشأت الدولة المشعشعية العربية، واعترفت بها الدولة الصفوية والخلافة العثمانية دولةً مستقلةً، إلى أن نشأت الدولة الكعبية (1724 - 1925م) وحافظت على استقلالها حتى سقوطها على يد الشاه بهلوي، وهي الحقيقة التي يقفز عليها الجميع للأسف؛ بعضهم نفاقاً لإيران، والبعض تجنباً للمشكلات، بينما الحقيقة أن الأحواز إقليم عربي خالص تم تناسيه، وذكره العرب قديماً في أشعارهم، ومنهم الشاعر جرير بقوله: «سيروا بني العم فالأحواز منزلكم... ونهر تيري فلم تعرفكم العرب»
النظام الإيراني يواجه غلياناً شعبياً محلياً، ليس فقط في الأحواز العربية، بل حتى في طهران نفسها، لأسباب معيشية بالدرجة الأولى؛ طالت لقمة العيش وسبله المختلفة بسبب غلاء الأسعار والتضخم المالي وسياسات اقتصادية فاشلة، والصرف على التسليح العسكري وتطوير الصواريخ العابرة للحدود، لزعزعة أمن الجيران، وتزويد ميليشياتها بهذه الأسلحة، كالتي زودت بها ميليشيات الحوثي لضرب جارتها السعودية.
السلطات الإيرانية عبر السنين عالجت الأزمة في الأحواز العربية المحتلة من الباب الأمني البوليسي، فأشعلت الإعدامات اليومية وتعليق الأحوازيين على أعواد المشانق، واستخدمت الروافع الميكانيكية أيضاً لزيادة الرعب والقمع، دون أدنى درجات التقاضي والمحاكمة العادلة، مستخدمة شماعة «المندسين» و«الخونة»... إلخ من قاموس «الباسيج»، لتبرير القمع والقتل بدم بارد، في ظل صمت دولي عن إحداث أي فعل حقيقي لإنقاذ شعب محتل لا ذنب له سوى أنه عربي ومسلم سني.
لا بد من تحرك عربي جماعي عبر جامعة الدول العربية على الأقل لإعطاء أهل الأحواز حقوقهم، وعودة إيران الفارسية إلى حدودها الطبيعية عند جبال زاكروس، فمقومات استعادة الدولة الأحوازية قائمة وموجودة، بدءاً من شعب وإقليم وتراث وتاريخ طويل حاولت طمسه العنجهية الفارسية في طهران.
فالأحواز ستبقى تراباً عربياً مهما حاولت إيران تغيير معالمها، فمصيرها العودة إلى محيطها العربي، لأن الهوية لا تستبدل، ولو دام الاحتلال مئات السنين.