تيلر كوين
TT

عندما تكون الأخبار الحقيقية أسوأ من الكاذبة

إن الأخبار الحقيقية لا تقل خطراً عن الأخبار الزائفة؛ لأن العالم المعاصر بات يعطينا من الحقيقة والواقع أكثر مما نحتمل. ذلك لأن الحقيقة باتت أكبر من قدرتنا على التعامل مع ما يدور حولنا في ظل غياب عدو مشترك منذ نهاية الحرب الباردة، وهو ما يفسر تراجع العالم الليبرالي الذي رثيته في مقال رأي نشر مؤخراً.
فلطالما عشنا مع الأخبار الزائفة، وسواء أكان ذلك على هيئة تقارير بالغة التفاؤل مثل تلك التي كانت تردنا من الحرب في فيتنام أم كان خبراً مثل ذلك الذي تلقيناه عن وفاة المطرب باول مكانتري، ناهيك عن الموضوعات التي لم نعلم بها والتي لم تردنا تقارير بشأنها، ونعلم الآن أنها حقيقية عن أشياء مثل علاقات الرئيس كنيدي، وفساد جونسون أو إصابة ريغان بالخرف.
حتى إن أردت العودة إلى تلك الأحداث، فلن يمكنك الحصول إلى الإجابة الصحيحة من «غوغل»، لكننا بطريقة ما تأقلمنا مع ذلك. ما فعلناه، على الأقل في الولايات المتحدة وفي غالب دول الغرب، كان ثقافة مركزية غنية بالإنسانيات أعطت الناس منظوراً وسلسلة من الخرافات الموحدة للعقلية الجمعية. حتى الولايات المتحدة وإن لم تكن بلداً هادئاً وبلد الحريات وبلد الشجعان، فقد جعلت الناس تعتقد أنها كذلك.
وبالعودة سريعاً إلى يومنا هذا، فربما التحدي الأكبر الوحيد في الحياة الأميركية يتمثل في تراجع تكلفة الحصول على المعلومات وصعوبتها. ففي كل موضوع، تستطيع الولوج إلى أي معلومة بتكلفة تصل إلى الصفر. لكن أهم ما يعنينا من أخبار هو فشل صفوتنا. وأنا هنا لا أشير إلى الصفوة في الولايات المتحدة فقط، لأن أيا كان حجم الفشل الذي يتعرضون له، هناك مشكلة عامة تتعلق بالصفوة هي أنهم مسؤولون عن نجاح أو فشل المجتمع الكبير من حولهم. ليس هذا عدلاً في جميع الأحوال، لأنه من الصعب توقع أو منع الفشل في قطاع الأعمال، كذلك العلاقات الخارجية لا تسير دائماً على ما يرام، وسوء الحظ كفيل بأن يفشل أفضل الخطط. لكن الصفوة اليوم لم تعد تملك الدرع التي طالما دافعت عنها ضد الغرباء، أيا كان هؤلاء الصفوة.
يقوم عالم الإنترنت، وهو في الأساس عالم المعلومات، بالإبلاغ عن فشل الصفوة على مدار الساعة، 7 أيام في الأسبوع. وفي حين أن جميع الآراء متاحة، فإن لآراء البعض رنيناً أكثر من الآخر. هل السبب هو أنه بعد عام 2008 باتت غالبية الناس تتشكك في قدرة صفوة الأميركيين على منع الأزمة المالية القادمة؟ إذا ذهبنا أبعد من ذلك، فسأستدعي من الذاكرة التفاؤل الذي أحاط بمباحثات السلام في حقبة السبعينات أو اتفاق أوسلو في التسعينات. إنه من الصعب وجود شخص لديه نفس الشعور الإيجابي عن الجهود التي تبذل اليوم في مباحثات السلام.
مرة أخرى، فقد استندت هذه الانطباعات إلى معلومات حقيقية، لكنه يمكن للإنسان العادي المثقف أن يكون متشائماً، وهو نموذج من الناس، فيمكن أن يسامح القادة المتشائمين وحتى أن يساندهم. وسيكون العالم أفضل من دون هؤلاء المتفائلين الذين عايشناهم في حقبة الستينات والذين يحلمون بتحقيق المستحيل.
غير أن هناك طريقة أخرى يمكن بها لطوفان المعلومات أن يلحق الضرر بسمعة الصفوة. لنفترض أن شخصاً عبقرياً، لنرمز له بعلامة «إكس»، وأردت أنت التعرف عن قرب على ذكائه وأفكاره لتحسن من معرفتك وفهمك للعالم. هنا قررت أنت أن تتابع «إكس» عبر «تويتر»، واكتشفت أن «إكس» مبهر في كل شيء، ولديه بعض الميول الحزبية. ليست المسألة هنا أنك اكتشفت أن الإمبراطور يقف عارياً، لكنك لاحظت أنه تنقصه بعض الثياب الضرورية.
ولأن الجميع تقريباً من دون أقنعة، فإن الصحافيين أيضاً يسيرون بمحاذاة الطريق المتشائم نفسه. فعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، يعلم الصحافيون ماذا يعتقد القراء فيهم، وأحياناً يرونه «مرتجلا، أو مخادعاً، أو مبرراً من الناحية الأخلاقية، وأحياناً ازدرائياً»، في حين أنه من الصعب اليوم البقاء مثالياً لأن المعلومات باتت عدو المثالية.
وبدلاً من مستنقع السلبية اليوم، ألا تتوق لسماع بعض التراتيل أو مشاهدة لوحة رائعة تصور طبيعة الأرض الأميركية الساحرة؟ للأسف... كل تلك الأنماط الثقافية تلاشت وباتت في طريقها إلى الزوال.
إن اعتقدت أن الحقيقة نفسها هي المشكلة، فإلى أي مدى ستحبط إن قضيت اليوم كله تقرأ عن حقيقة نفسك؟ حتى إن كان غالبية هؤلاء الصحافيين إيجابيين، وليس كلهم، حتما ستشعر بالإحباط، أراهن أن ذلك سيحدث. هذا ببساطة مأزق الغرب.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»