محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

متى تلوم نفسك؟

بعيداً عن المثاليات، حاولتُ تتبع إجابة سؤال «متى تلوم نفسك؟» وذلك في دراسات رصينة ذات صلة، فوجدت أن «الاعتراف بالخطأ فضيلة»؛ ليس في أدبياتنا؛ بل في الأدلة العلمية. ذلك أن العلماء حينما جاؤوا بمجموعة من التقارير السنوية لأداء الشركات لتفحص كلمات المسؤولين فيها، وجدوا أنه حينما تعزو المنظمات إخفاقاتها إلى أسباب داخلية، فإن ذلك سينعكس إيجاباً؛ ليس فقط على نظرة عامة الناس إليها؛ بل على أرباحها بصورة ملحوظة. فهم يرون أن تعليق اللوم على أسباب داخلية في وسعهم التحكم بها، يظهر المؤسسة بصورة أكثر مقدرة على التحكم بمواردها وبمستقبلها. بل ترى الباحثة الاجتماعية فيونا لي وزملاؤها، أن العامة سيعتبرون أن المنظمة لديها خطة تصحيحية للخلل الذي أدى لوقوع تلك المشكلة.
وهذا بالفعل ما اتضح بعد أن كشفت الدراسة التي جمع فيها الباحثون المئات من التقارير السنوية لنحو 14 شركة، خلال 21 عاماً، لحصر أسباب إخفاقاتها (داخلياً وخارجياً). فتبين أن الشركات التي عزت أسباب خسائرها إلى أسباب داخلية يمكن السيطرة عليها (controllable) كانت قيمة أسهمها أكبر بعد عام، مقارنة بتلك التي علقت إخفاقاتها على شماعة الأسباب الخارجة عن سيطرتها.
وهذا يعني أن الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية يثمران لاحقاً. وهو ما جعل الباحثين يرون أن تعليق أسباب الإخفاقات على أمور خارجية لن ينعكس بطبيعة الحال على تغير في الأداء، أو بالأحرى يجعل الاستراتيجية الموضوعة أقل فاعلية؛ لأن الشركة لن تحاول التأكيد لأحد على أنها جديرة بالسيطرة على مشكلاتها. كما أن تحويل أنظار الناس عن خطئنا قد يؤدي في المدى القصير إلى تخفيف وطأة الاحتجاجات والتذمر؛ لكن المشكلة سرعان ما ستعود في المستقبل القريب، حينما ينكشف موطن الخلل، وربما غيره من مشكلات كنا نحاول أن نخفيها.
وهذا الاعتراف الصريح بالخلل الداخلي ربما يدفع كل العاملين معنا إلى الحذر الشديد؛ خشية الوقوع في خطأ يتم إشهاره من قبل الإدارة التنفيذية. وقد كتبتُ شخصياً تقارير سنوية لعدد من الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية، كانت تطلب مني كمستشار أن أشير بوضوح إلى أن سبب الخسائر كان القطاع الفلاني؛ بل طلبت مني شركة ذات مرة أن أكتب ماذا ستصنع بالقطاع إن تكررت المشكلة! يا له من موقف محرج؛ لكنه قد ينعكس على أداء أفضل بخلاف الحال لو كان اللوم موجهاً لاعتبارات السوق، أو المنافسة، أو الاقتصاد وغيرها.
والأمر نفسه ينطبق على الصعيد الشخصي، فمن يكابر في غرفة الاجتماعات أو أمام فريق عمله بإلقاء اللوم على غيره، سيدفع ثمن ذلك لاحقاً. ثم إن الاعتراف بالخطأ فور حدوثه يسحب البساط من تحت من يحاول أن يصطاد في الماء العكر؛ لأن المكابرة تطيل أمد المواجهة، وقد تختلط بها عوامل شخصية أو عاطفية، فتزيد الطين بلة.
إن الدخول في لعبة توجيه أصابع الاتهام هي مضيعة للوقت، فشجاعة الاعتراف بالخطأ ولو جزئياً أوقع، وأكثر عملية، وذكاء، من حدة المواجهة. ذلك أن إخفاء مكمن الخلل لم يعد سهلاً في عصر الانفتاح الإعلامي والتقني المذهل.

[email protected]