علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

«الناتسية» والنازية

عن سهو أو بسبب تصحيف طباعي ذكرت الدكتور حياة اليعقوبي «أن من طبعات الكتاب ما نشر سنة 1991 في دار عمَّان للنشر والتوزيع».
والصحيح أن ما نشر سنة 1991 – وهي النسخة التي اعتمدتها – نشرته دار عمار بعمَّان للنشر والتوزيع وليس دار عمّان للنشر والتوزيع. فالدار الأخيرة ليست هي جهة نشره. والنسخة التي اعتمدتها تغير عنوانها من «الجهاد في سبيل الله» إلى «ثلاث رسائل في الجهاد». ولا أدري لماذا لم تذكر هذه المعلومة مع أنها أولت عناية كبيرة للوصف الشكلي للكتاب.
الآن، وبعد أن عرفت الدكتورة حياة مصدر رسالة سيد قطب، وعرفت قبلها أن الكتاب – موضوع دراستها – ظهر بعد وفاة حسن البنا بعشرين سنة، وبعد وفاة سيد قطب بنحو ثلاث سنوات، عليّ أن أساعدها في معرفة مصدر رسالة المودودي ورسالة البنا في الجهاد.
رسالة المودودي في الجهاد هي محاضرة ألقاها عام 1939 في باكستان، تحت عنوان «الجهاد في سبيل الله». والمحاضرة كانت مستخلصاَ من بعض ما جاء في كتابه «الجهاد في الإسلام» الذي نشره عام 1927، والذي لم يترجم إلى العربية إلا في سنوات متأخرة. فقد ترجمه إلى العربية في جزءين الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم. الجزء الأول صدر بعنوان «شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية» عن دار الصحوة بالقاهرة عام 1985، وجزء ثانٍ صدر بعنوان «الجهاد بين الإسلام والأديان الأخرى» عن الدار السعودية للنشر بجدة فيما بعد عام 2001. المحاضرة بعد إلقائها طبعت في كتاب باللغة التي ألقيت بها، وهي اللغة الأردية. ومن سياق حكاية رواها تلميذه مسعود الندوي حين زار العراق عام 1949، نعرف أنه قد انتهى من ترجمتها إلى اللغة العربية. هذه المحاضرة وأعمال أخرى للمودودي ترجمتها إلى العربية دار العروبة للدعوة الإسلامية التابعة للجماعة الإسلامية في أواخر الأربعينات الميلادية. وفي عام 1950 تعاونت معها لجنة الشباب المسلم التي يقوم عليها شباب من الإخوان المسلمين المصريين، فأعادت إصدار أعماله بدءاً من ذلك التاريخ، وطبعها لهم محب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية، وكان من ضمنها تلك المحاضرة. وهذه الأعمال لم يكن يذكر اسم مُترجمها، إذ يكتفي بعبارة معرب عن الأردية.
كتاب «الجهاد في سبيل الله» سلط الضوء عليه مرة أخرى باللغة العربية سيد قطب في طبعة تنقيحية من طبعات كتابه «في ظلال القرآن».
ففي تفسيره لسورة الأنفال، قال: «وبعد، فإن هناك في بيان طبيعة الجهاد في الإسلام وطبيعة هذا الدين، يمدُنا بها المبحث المجمل القيم الذي أمدنا به المسلم العظيم السيد أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان بعنوان (الجهاد في سبيل الله)، وسنحتاج إلى أن نقتبس منه فقرات طويلة، لا غنى عنها لقارئ يريد رؤية واضحة دقيقة لهذا الموضوع الخطير العميق في بناء الحركة الإسلامية». ثم أورد معظم ما جاء في الكتاب ابتداءً من أول جملة فيه.
فصل «الجهاد في سبيل الله» الذي هو فصل من فصول كتاب «معالم في الطريق» والذي هو مقتطع من تفسيره لسورة الأنفال، والذي أعيد نشره في الكتاب الذي كان موضوع دراستها، أوقفه قبل بدء تلك الفقرة التي أوردناها.
نلحظ هنا أن فصل «الجهاد في سبيل الله» حمل الاسم نفسه الذي كان عنواناً لمحاضرة المودودي ولكتابه الذي طبع بالأردية ثم ترجم إلى العربية بالاسم نفسه.
وفي الكتاب الذي جمعت فيه رسائل الثلاثة، المودودي والبنا وقطب، أوردوا النص الكامل لكتاب المودودي الذي سبق أن نشرته لجنة الشباب المسلم. وتخففوا من بعض الاصطلاحات الإنجليزية الموجودة فيه التي أوردها المترجم الهندي إلى جوار ما يقابلها باللغة العربية، فحذفوا بعضها في حين أن سيد قطب في مقتطفاته من الكتيب لم يحذف منها شيئاً. وبمناسبة ذكر هذه الملحوظة، فإن سيد قطب في مقتطفاته من كتاب المودودي المترجم إلى العربية، قدم نص الكتاب من دون أدنى تصرف فيه. وسأورد مثالين يشهدان بذلك.
المثال الأول: يقول المودودي في ذلك الكتاب المترجم إلى العربية – كما ينقل عنه سيد قطب في مقتطفاته - «فإن رجلاً يؤمن بمبادئ الشيوعية، إن أراد أن يعيش في بريطانيا أو ألمانيا، متمسكاً بمبدئه، سائراً في حياته على البرنامج الذي تقر الشيوعية، فلن يتمكن من ذلك أبداً؛ لأن النظم التي تقررها الرأسمالية أو الناتسية تكون مهيمنة عليه، قاهرة بما أوتيت من سلطان، فلا يمكنه أن يتخلص من براثنها أصلاً».
يضع سيد قطب نجمة فوق مصطلح الناتسية، تشير إلى هامش توضيحي قال فيه: «كتب هذا البحث سنة 1938. والنظام النازي قائم في ألمانيا».
في الكتاب ذي الرسائل الثلاث، غيّر جامعو الرسائل مصطلح الناتسية إلى مصطلح النازية، ووضعوا فوق اسم ألمانيا «جامعو الرسائل سمّوا ألمانيا ألمانية وسمّوا بريطانيا بريطانية، وبهذا نستدل على أنهم كانوا من الإخوان المسلمين السوريين أو اللبنانيين أو الفلسطينيين وليسوا من الإخوان المسلمين المصريين»، إشارة إلى هامش توضيحي قالوا فيه: «كتبت هذه المقالة عام (1358هـ – 1939م)».
سيد قطب ــ كما ترون ــ أورد مصطلح الناتسية في نص مقتطفاته، كما هي في نص كتاب المودودي المترجم إلى العربية. وفي الهامش التوضيحي الذي أنشأه استخدم مصطلح النازية وليس الفاشية. والفرق بين النازية والناتسية أننا في اللغة العربية ترجمنا هذا المصطلح من اللغة الإنجليزية، وفي اللغة الأردية ترجموه من اللغة الألمانية. فهذا المصطلح ــ كما ينطقه الألمان ــ الأقرب إليه لفظاً الناتسية وليس النازية.
ويشير هامش سيد قطب التوضيحي إلى أنه كانت تتوفر لديه معلومة عن تاريخ نشر كتاب المودودي باللغة الأردية، مع أن الكتاب حين نشر باللغة العربية لا توجد في بيانات نشره معلومة عن تاريخ كتابته بلغته الأصلية. وفيما يبدو أنه استمدها من مصدر شفاهي، وإن كان أخطأ فيها خطأ طفيفاً. فتاريخ كتابة نص الكتاب يرجع ــ كما ذكر ذلك جامعو الرسائل ـــ إلى عام 1939 وليس إلى عام 1938.

المثال الآخر:
عند نفي المودودي كون الإسلام نحلة، وضع جامعو الرسائل هامشاً توضيحياً قالوا فيه: «وردت في الأصل كلمة مذهب التي ترافقها لفظة Religion في الإنجليزية». وقد أورد سيد قطب هذا الهامش مع نسبته لصاحبه الذي هو معرب كتاب المودودي «الجهاد في سبيل الله». سيد قطب نسب الهامش إلى معرب الكتاب؛ لأنه قبل إيراده للمقتطفات، قد ذكر أنه اقتطفها من بحث للمودودي عنوانه «الجهاد في سبيل الله».
أما هم فلم ينسبوا الهامش إلى صاحبه، إمعاناً في التعمية على مصدر كلام المودودي في الجهاد. فهم من الأصل لم يبينوا أن كلامه في الجهاد هو إعادة نشر لكتاب سبق أن نشر في أول الخمسينات بالقاهرة. وأن كلام حسن البنا في الجهاد هو نفسه «رسالة إلى الجهاد» المنشورة ضمن كتاب ضم مجموعة من رسائله، وأن كلام سيد قطب في الجهاد هو إعادة نشر لفصل من فصول كتابه «معالم في الطريق» الذي هو في الأصل اقتطعه صاحب الكتاب من تفسير سورة الأنفال في كتابه «في ظلال القرآن». سبب هذه التعمية على المصادر، أنهم أرادوا إيهام القارئ، أن المودودي وحسن البنا وسيد قطب اشتركوا في تأليف كتاب واحد اسمه «الجهاد في سبيل الله». وقد انطلى هذا الإيهام على أكاديمية متخصصة في الفكر الإسلامي، كالدكتورة حياة اليعقوبي، فصدقته.
إن الدكتورة حياة قبل أن تنشر دراستها حول الكتاب الذي جمعت فيه رسائل الثلاثة في الجهاد، لو رجعت إلى كتاب «معالم في الطريق» لوجدت فيه فصلاً عنوانه «الجهاد في سبيل الله»، ولو رجعت إلى كتاب «مجموعة رسائل حسن البنا» لوجدت رسالة عنوانها «رسالة في الجهاد»، ولو رجعت إلى كتاب تفسير آيات القتال في تفسير سيد قطب «في ظلال القرآن» لعرفت أن للمودودي بحثاً اسمه «الجهاد في سبيل الله».
إنها لو فعلت ذلك لأجابت عن ملحوظتها الثانية التي مفادها أن رسالة المودودي في الجهاد لم يوضع لها عنوان في حين أن وضع لرسالة البنا ورسالة قطب في الجهاد عنوانان، ولم تفسره ضمن احتمالين، الأول السهو، والآخر شرقت فيه وغربت بعيداً عن السبب الحقيقي الذي هو سبب جداً بسيط.
عنوان رسالة المودودي في الأصل هو «الجهاد في سبيل الله»، والعنوان له.
عنوان رسالة البنا في الأصل هو «رسالة في الجهاد»، والعنوان له.
عنوان رسالة سيد قطب في الأصل هو«الجهاد في سبيل الله»، والعنوان له.
جامعو الرسائل كانوا قد قرروا أن يكون عنوان الكتاب المجموعة فيه الرسائل السابقة «الجهاد في سبيل الله». ومعنى هذا أن هذه العبارة ستذكر في عنوان الكتاب وفي عنوان رسالة المودودي وفي عنوان رسالة سيد قطب، فاختاروا أن ينزعوا عن رسالة المودودي عنوانها، لأنها الرسالة الأولى المصاقبة للعنوان الموجود على غلاف الكتاب.
وهكذا نرى أن الكتاب قام على جمع ونقل ميكانيكي ليس فيه أدنى مجهود. وللحديث بقية.