حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أوروبا: الجائزة الكبرى!

أكتب هذه السطور من عاصمة بلاد الفرنجة من لندن، التي تحولت مع الوقت إلى عاصمة العالم. فمنها حراك العالم الاقتصادي والسياحي والثقافي والحضاري.
إنها منصهر وملتقى الثقافات العصري اليوم. في هذه الأيام حيث تشهد العاصمة البريطانية «غزواً سياحياً هائلاً من دول الخليج»، وحضوراً عربياً واضحاً يضاف لعشرات الجنسيات الأخرى التي جعلت من لندن المقصد الأول للترحال السياحي في عواصم العالم. والصراع على لندن هو انعكاس للصراع على أوروبا نفسه. فبينما لا يزال البريطانيون في حالة ذهول جراء نتيجة الاستفتاء الذي أتى بنتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهناك قناعة تتزايد لدى قاعدة عريضة بأن بريطانيا ستتراجع عن رأيها عن طريق «السماح» للبرلمان بإجراء استفتاء جديد يتيح لها العودة للاتحاد الأوروبي لأن التكلفة الاقتصادية للخروج منه أكبر بكثير مما كان متوقعاً، ومضار الخروج تبين للقائمين على صناعة القرار السياسي في البلاد أنها أكبر من المنافع المرجوة من ذلك الأمر. وترقباً لهذا التغيير المتوقع في القرار البريطاني هناك حراك غير بريء من طرفين مؤثرين في القارة الأوروبية؛ روسيا وأميركا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمارس ضغوطاً هائلة على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لكي يحثها على التخلي عن تطبيق العقوبات الاقتصادية بحق روسيا مقابل مغريات سياسية واقتصادية استثنائية، كذلك يمارس بوتين ضغوطاً هائلة على دول أوروبا الشرقية لاستمالتها في «معسكره» لتشكيل واجهة جديدة في الداخل الأوروبي، ولمساعدة أصوات اليمين المتطرف لكي يكون لها صوت فردي وطني بدلا من الانصهار داخل الصوت الجمعي، الذي بحسب رأيه يتغاضى عن أخطار «المهاجرين والإسلام السياسي المتطرف وفقدان الهوية الأوروبية التقليدية»، ولذلك يتوجه بوتين بقوة لدعم الخطاب العنصري اليميني.
ولكن في دولة كالمجر على سبيل المثال، يبدو أن الطرح الذي تنادي به الحكومة والتهديد بالخروج من السوق الأوروبية مجرد حبر على ورق، لأنها تعتمد وبشكل كبير على المساعدات الآتية من السوق الأوروبية نفسها.
وهناك أميركا ترمب التي تصر على التعامل مع السوق الأوروبية بأنها خصم، وتحث بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي بإغرائها باتفاقية بديلة تلبي احتياجاتها وتغطي على مخاوفها. وفي هذا الخط يحط ستيف بانون المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب الرحال في أوروبا ليجتمع مع رؤساء الأحزاب اليمينية المتطرفة ليشجعها على إبداء الرأي دون خوف، «وأن المستقبل لهم»، وهو بصدد تأسيس قواعد شعبية لفكره هذا في أكثر من عاصمة أوروبية، الغاية منها هي السماح لقوى اليمين الوطنية في جميع الدول الأوروبية لأن تتوحد تحت أهداف مشتركة قبل انتخابات مايو (أيار) 2019 الخاصة بالبرلمان الأوروبي حتى يحدث الأثر المنشود لتغيير تام في المستقبل الأوروبي. أوروبا هي الجائزة الكبرى لهذا الحراك، وهي الهدف المنشود. فرنسا نجت من المصير الإنجليزي في اللحظات الأخيرة، وألمانيا اضطرت ميركل لأن تضم حزباً يمينياً متطرفاً في حكومتها لتشكيل التكتل الحاكم، وكذلك الأمر في إيطاليا. هناك قوى مرعبة تحاول تفكيك أوروبا عن طريق الصندوق الديمقراطي للانتخابات، وهم يتذكرون أن دونالد ترمب جاء بالانتخابات، وكذلك جاء أدولف هتلر. إنها الثغرة الضعيفة في النظام الديمقراطي الذي «تسمح» بهذا. أوروبا مهد الحضارات والأفكار والحريات، ماذا ستفعل وكيف ستجيب؟ سؤال مفتوح.