مارك بوكانان
TT

الحلول الطويلة الأمد للتغييرات المناخية

الضرائب المتعلقة بالانبعاثات الكربونية ستترك تداعيات على مستوى الأمن الغذائي التي هي بحاجة لجهود لتخفيف وطأتها شيئاً فشيئاً. وتكتسب التغييرات المناخية وجهاً مخيفاً بعض الشيء في الوقت الذي تتضح تداعياتها بسرعة أكبر عما توقعه معظم العلماء، وذلك في صورة ارتفاع شديد في درجات الحرارة العالمية، وحرائق غير مسبوقة بالغابات، والكثير من التأثيرات الأخرى. ويبدو العام الحالي في طريقه لأن يصبح العام الأكبر من حيث درجة الحرارة في تاريخ الأرض، ويأتي مباشرة خلف الأعوام الثلاثة السابقة. وفي تلك الأثناء لم تحقق الإنسانية إنجازاً يذكر على صعيد الإجراءات العملية. ويتجلى ذلك في حقيقة أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون اليوم أصبحت أعلى عن أي وقت مضى، وارتفعت بنسبة 60 في المائة على مدار الأعوام الـ25 الماضية، رغم أننا طوال هذه الفترة كنا مدركين تماماً لحقيقة المشكلة.
من ناحية أخرى، فإن عقد الآمال على حل بسيط، مثل فرض ضريبة على الانبعاثات الكربونية وهو الخيار المفضل لدى معظم الخبراء الاقتصاديين، يبدو أمراً ساذجاً حتى وإن نحينا جانباً التحديات السياسية الهائلة الكامنة وراء هذا المسار. وتشير دراسة جديدة إلى أن فرض ضريبة حقيقية على الانبعاثات الكربونية من شأنه خلق أزمات نقص بالغذاء بحلول عام 2050 بالنسبة للكثيرين من أكثر سكان العالم فقراً، وربما يصبح هذا الحال أسوأ عن التداعيات المترتبة على استمرار التغييرات المناخية دونما محاولة تدخل للتخفيف منه.
وفي ثنايا الورقة البحثية التي نشرت بدورية «نيتشر كلايميت تشينج» قارن العلماء القائمون على الدراسة بين تأثيرات التغييرات المناخية من ناحية والضرائب على الانبعاثات الكربونية من ناحية أخرى على سكان العالم الذين يواجهون شبح الجوع. بالنسبة للتغييرات المناخية فإنها ستضرب على نحو مباشر الإنتاج الزراعي، بينما ستزيد الضرائب الكربونية من أسعار الطاقة، التي تعتبر بدورها مدخلاً محورياً في الإنتاج الزراعي.
وتوصلت الدراسة إلى أنه حال فرض ضرائب كربونية صارمة فإنه من المحتمل أن تترك بحلول عام 2050 تأثيرات سلبية على صعيد الجوع يفوق تأثيرات التغييرات المناخية، وستكون المناطق الأكثر تضرراً هي أكبرها عرضة للخطر اليوم مثل منطقة الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.
وبالطبع هذه مجرد تقديرات ولا تزال هناك شكوك كبيرة تحيط بهذا التحليل. ويعتمد التحليل على مجموعة من الافتراضات مثل افتراضات تتعلق بكيفية ارتفاع درجات الحرارة، وكيفية تأثير عناصر أخرى مرتبطة بالتغييرات المناخية على إنتاج الغذاء، وهي أمور لا نعرف عنها الكثير. في الواقع هناك أبحاث أخرى حديثة تشير إلى أن درجات الحرارة المرتفعة ربما تؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج الداخلي حتى داخل دول متقدمة بمقدار يصل إلى الثلث بحلول عام 2100. وبخلاف الشكوك تظل الحقيقة أن معظم تخمينات الباحثين تشير إلى أنه رغم سوء تداعيات التغييرات المناخية على الأمن الغذائي فإن عواقب فرض ضريبة على الانبعاثات الكربونية كبيرة بما يكفي للحد من هذه الانبعاثات ستكون أسوأ. وهذا بالتأكيد نبأ سيء.
هل يعني ذلك أنه لا ينبغي علينا تناول مشكلة التغييرات المناخية؟ لا. وإنما المقصود هنا أنه سيتعين علينا التحلي بالابتكار في سعينا لإيجاد حلول للتعامل مع التداعيات قصيرة الأجل للسياسات التي ستحقق فوائد طويلة الأجل. إضافة إلى تقليل الانبعاثات سيتعين علينا إقرار سياسات زراعية حكيمة وبناء شبكات أمان اجتماعي قوية وتحقيق مستوى أفضل من التعاون الدولي.
بوجه عام من المتوقع أن تترك السياسات الرامية لتجنب وقوع كارثة بيئية بعد قرن من اليوم وما وراء ذلك تأثيرات سلبية في غضون فترة قصيرة قد تبلغ 30 عاماً. وعلى سبيل المقارنة فإننا نستخدم طفايات الحريق في المنازل رغم الأضرار التي تسببها بالديكورات الداخلية لها ونرى أن استخدامها فكرة جيدة.
وبالمثل فإنه إذا قررت الحكومات فرض ضريبة كربونية، أو أي إجراءات جادة مشابهة بخصوص التغييرات المناخية، فإنه يتعين عليها في الوقت ذاته العمل على تناول تداعيات هذه الضرائب. مثلا يمكن استغلال جزء من عائدات هذه الضرائب في توفير مساعدات غذائية أو إقرار مزيد من أساليب الإنتاج ذات الكفاءة داخل المناطق التي تعاني من غياب الأمن الغذائي، وهو أمر ربما يؤدي كذلك إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
باختصار فإن الورقة البحثية سالفة الذكر تشير إلى أن القضايا المناخية طويلة الأجل ستثير قضايا على المدى القصير، مثل الأمن الغذائي. وتطرح الورقة معلومات قيمة حول النقطة التي ينبغي علينا أن نبدأ عندها في التفكير في إمكانية الاستعانة بسياسات أخرى لمواجهة تأثيرات هذه المشكلات، وضمان المضي قدماً، ليس للبعض، وإنما للجميع.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»