حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ما الذي حصل لليرة التركية!

التعليق على الأحداث الرئيسية عادة ما يكون «مزلقا» يسقط فيه المحللون، لأنهم يتعاملون مع الحدث بشكل آني ولحظي، وإغفال تام لخلفيات مؤثرة من المهم أن تنال قدرا من المتابعة والاهتمام هي الأخرى.
هذا ما خطر في بالي وأنا أتابع ردود الأفعال والتعليقات بخصوص التداعي العظيم لقيمة الليرة التركية في مواجهة الدولار الأميركي، وسقوطها الهائل حتى فقدت ما يقارب الخمسين في المائة من قيمتها.
التركيز الأساسي في الخبر والتعليق كان أن ما حصل هو نتاج «ردة الفعل» عقب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي غرد بها من خلال حساب «تويتر» عن فرض ضرائب جديدة ضد بعض المنتجات التركية. ولكن ما لا يجري الحديث عنه هو «المشاكل» الاقتصادية المتراكمة التي انهالت على تركيا لسنوات متتالية، موقف ألمانيا والكثير من الدول الأوروبية الغاضب من السياسات الحقوقية التركية وسحبها للكثير من الدعم والاستثمار، وخصوصا الألماني، وهذه مسألة يعرفها جيدا القطاع الصناعي التركي نفسه.
ثم تلا ذلك الأزمة الحادة مع روسيا التي تلت حادثة إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية من قبل القوات المسلحة التركية، وأدت هذه الحادثة إلى تجميد فوري في العلاقات الاقتصادية وسحب مئات الآلاف من السياح الروس من تركيا، وطبعا مع ذلك تم تجميد ووقف كامل للاستثمارات الروسية المصاحبة لذلك. ومؤخرا شهدت العلاقات التركية العربية أزمة حادة مع تبني إدارة إردوغان خطا صريحا يدعم فيه خط الإخوان المسلمين وإيران، وهما اللذان يشكلان تهديدا صريحا للأمن القومي العربي، وكان نتاج ذلك فقدان السائح والاستثمار العربي من السعودية والإمارات ومصر.
يضاف إلى ذلك أن إردوغان بعد «الانقلاب» الذي كان سيحدث ضده وتمكن من القضاء عليه، استغل هذا الحدث لملاحقة والقبض على كم مهول من المؤسسات المالية ورجال الأعمال بحجة أنهم متعاطفون مع «الانقلابيين».
من المعروف جدا أن قطاع الأناضول في تركيا والمكون من أنقرة وإسطنبول وأزمير بشكل رئيسي هو حاضنة وقاعدة رجال الأعمال في تركيا، وهم بالمجمل غير مؤيدين لسياسات إردوغان الخارجية ولا الإصلاحات الدستورية الداخلية التي تحوله بالتدريج إلى حاكم مطلق، وبرأيهم أن العقبات الاقتصادية هي نتيجة طبيعية لهذه القرارات.
إردوغان دائما كان لديه خوف وشك وريبة وقلق من النفوذ الاقتصادي الهائل لرؤوس الأموال والشركات الكبرى في تركيا، كان يعتبرها نقطة ضعف ضده، وسعى لإضعاف نفوذها باستمرار، ولذلك هناك من رجال الأعمال النافذين في تركيا من يرى أن إدارة إردوغان في السابق «تركت» بعض القرارات تأخذ مجراها لإضعاف نفوذ المال ورجال الأعمال الأتراك الكبار منهم بالذات لأن العوائد السياسية أهم من العوائد الاقتصادية في رأي إردوغان وجماعته.
إردوغان حاكم إسطنبول ورئيس وزراء تركيا الذي اهتم بمكافحة الفساد وتطوير الاقتصاد هو غير إردوغان رئيس تركيا، الذي بات همه تكريس سلطته وتصدير أفكاره.
قصة انهيار الليرة التركية لم تحصل بين يوم وليلة، وليست نتيجة تغريدة أطلقها الرئيس الأميركي، ما حصل للعملة التركية جزء كبير جدا منه كان ذاتي الصنع، وجاءت «التغريدة» لتدفع بها إلى هاوية كانت تقف على أطرافها.