حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

دعماً للاستقرار والنماء

مؤلم أن يصف عالم مسلم الذين يعتمدون على النصوص الشرعية المتضافرة المتواترة في الطاعة والصبر على ضيم الحاكم وظلمه وطاعته بالمعروف على أنهم منتمون لـ«فقه رجعي» يسير في ركاب الحكام وإن ظلموا وجاروا، ويطالب بأن يختفي هذا «الفقه الرجعي» أمام «الفقه الثوري»، ولا أدري إن كان هذا العالم لا يزال يؤمن بهذا الفقه الثوري وهو يرى حال الثورات العربية ما بين دول تنخرها الفوضى وتحكمها عشرات الميليشيات الدموية المسلحة وتتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ والموارد الطبيعية، فقتل من مواطني هذه الدول مئات الألوف وتشرد الملايين ودُمر اقتصادها وانتهكت أعراضها وتيتمت أطفالها فصارت شعوبها عالة على المحسنين والمؤسسات الإغاثية يهيمون في الفيافي والصحاري ويركبون مخاطر البحار للهروب من الجحيم الذي صنعه «فقه الثورة»، وبين دول أمست منهكة، لا هي مع دول الفوضى الهزيلة ولا هي مع دول الاستقرار القوية.
كل دول الثورات مثل ليبيا وسوريا واليمن وحتى الدول التي جرى فيها تغيير بالقوة بطريقة مختلفة عن دول الثورات كأفغانستان والعراق والصومال، كلها لم تستطع أن تقوم على قدميها ولم تتعافَ كبقية الدول المتعافية، يجمع شعوبها شعور ظاهر وأحياناً دفين يتحشرج في صدورهم شعور، مختصره: «ليتنا صبرنا على ظلم من ثرنا عليه، فأن نعيش مع ظالم عيشة فيها استقرار خير من أن نعيش مع فوضى واحتراب وفتن لا تطعم من جوع ولا تؤمن من خوف»، قالوها في حق صدام وعلي صالح والقذافي وسياد بري وغيرهم.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن «الوسطيين المعتدلين» الذين يجعلون الاستقرار أولوية قصوى ويحثون على الصبر على الحاكم ولو ظلم واستأثر مستنداً إلى النصوص المعروفة، لا يُغفلون مطلقاً النصوص الأخرى التي تحث أيضاً على التواصل مع الحاكم والمسؤولين وتقديم النصح لهم وتنبيههم إلى مواضع الخلل والقصور بعبارة راقية من غير فضح ولا تسفيه ولا تشهير، ومن غير تملق وتزلف وإسراف في المديح والثناء، الموقع الوسطي في هذا الجدل هو في الثناء على المنجزات وتعزيزها والإشادة بها من غير إسراف وابتذال، والتنبيه على مواضع الخلل والقصور من غير تسفيه ولا تبكيت، فالنفوس جبلت على تقبل القول اللين الذي أُمر النبي موسى عليه الصلاة والسلام ببذله لمدعي الألوهية، فكيف بمن دونه؟ وكما قيل: «القول اللين يهزم الحق البين»، بهذه المعادلة المتوازنة تسير الأوطان سيرة مستقرة تمارس تصحيحاً ذاتياً للأخطاء دون اللجوء إلى الوسائل الخطرة في التغيير التي ترمي بالدول ومجتمعاتها في أتون الفتن والفوضى والدمار.