حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الاقتصاد أهم من الشعارات!

عندما قررت بريطانيا الاستجابة لرغبة الاستفتاء الشعبي الذي أقرت نتيجته الخروج من الاتحاد الأوروبي، كان هناك حوار وجدل عن الكتلة التجارية الاقتصادية التي ستحل مكان الاتحاد الأوروبي.
كان الرأي الراجح والغالب هو أن توجه الجهود للدول المتحدثة بالإنجليزية، وهو تعبير لطيف ومخفف، لأن المقصود هنا هو الكتلة الأنغلو سكسونية البيضاء التي تشمل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وطبعاً بريطانيا.
هذه الدول كلها (باستثناء بريطانيا) كانت مستعمرات بريطانية سابقة لهم جميعاً، القيم والأهداف ذاتها والعمق الأمني والتنسيق الاستخباراتي نفسه، وعلى الرغم من الفصل الجغرافي القسري بينهم، فإن العلاقات التجارية بينهم تعتبر استثنائية. وعلى الرغم من أن لبريطانيا بديلاً آخر من الممكن أن تسعى إليه لتعويض النقص الذي سيحصل جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي، وهو دول مجموعة الكومنولث، وهي عبارة عن الدول التي حكمتها بريطانيا، واستمرت على علاقة سياسية معها بعد ذلك، فإن المعيب بالنسبة لبريطانيا أن معظم هذه الدول دول فقيرة ومن العالم الثالث، وستكون عبئاً على الاقتصاد البريطاني ولن تستطيع إفادته بالاستثمار فيه، وبالتالي المساهمة في القضاء على البطالة ورفع معدلات النمو الاقتصادي كما هو منشود. ما يحصل اليوم سواء عن طريق الاستفتاء (كما حصل في بريطانيا) أو عن طريق القرارات الرئاسية التنفيذية (كما حصل مع دونالد ترمب) هو تهديد صريح لكل المؤسسات القائمة والمعاهدات والاتفاقيات المؤسسة للعلاقات بين الدول.
الحرب التجارية التي أطلقت رصاصتها الأولى بين الولايات المتحدة والصين وشملت رفع التعريفة الجمركية المتبادل على سلع من البلدين، في حقيقة الأمر سيكون الضرر أشبه بمن يطلق الرصاص على قدميه. نظراً للتداخل الشديد في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
فالصين هي أكبر مستثمر في السندات الحكومية الأميركية، وهي اليوم وبشكل متصاعد أحد أهم المستثمرين الصناعيين في قطاعات مختلفة في الداخل الأميركي، وخصوصاً في قطاع السيارات وملحقاتها وكمالياتها. الصين ترى نفسها «شريكاً اقتصادياً» لأميركا، بينما دونالد ترمب يرى في الصين «عدواً» اقتصادياً شرساً يتوغل بهدوء ودهاء للاستيلاء على أسرار الصناعات والتقنية التي تميز أميركا وتجعلها في الريادة.
أميركا هي الأخرى لها «مكانة» مهمة جداً في الاقتصاد الصيني، فلديها استثمارات هائلة وعظيمة هناك في مجالات كثيرة ومتنوعة. من هاتف «آيفون» إلى «ستاربكس» إلى سيارات «جنرال موتورز» والمئات من الأمثلة الأخرى.
العالم بات متداخلاً ومتشابكاً جداً، والرصاص الاقتصادي الموجه من جهة إلى أخرى لا بد أن يعود إلى مطلق الرصاص نفسه، خطوط التماس باتت متداخلة ومتشابكة جداً والمصالح باتت بحق مشتركة. انسحاب بريطانيا بالطريقة التي أعلن عنها في السابق بات محل شك، ويبدو أن التفاصيل الدقيقة ستجعل من الفصل والخروج من الاتحاد الأوروبي مسألة «نظرية» فقط وغير قابلة للتطبيق، وجارٍ البحث عن باب خلفي لإعادة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، ولكن بشروط جديدة، وهذا هو سبب استقالة أكثر من وزير من أنصار «بريكست» من الحكومة البريطانية الحالية.
هناك تيارات جديدة وهي ظواهر مؤثرة ولا شك هدفها رفع رايات الخوف والذعر والقلق، ورأس المال بطبعه جبان، ولكن إذا لم تتمكن هذه التيارات من تحقيق الأمان والاستقرار الاقتصادي فلن نستطيع الاستمرار والتواصل.
هذه هي خلاصة دروس التاريخ المتواصلة. يبقى الاقتصاد العنصر الأكثر تأثيراً.