ليونيد بيرشيدسكي
TT

ماذا تقول أفضل فرق كأس العالم عن الهجرة؟

هناك ثلاثة من الفرق الأربعة التي وصلت إلى الدور قبل النهائي لبطولة كأس العالم، وهي فرنسا وبلجيكا وإنجلترا، تعد أيقونات للتنوع الأوروبي. فالمهاجرون وأبناء المهاجرين نجحوا في تمثيل أنفسهم في فرقهم بدرجة تفوق نسبتهم الحقيقية في تلك الدول. بيد أن المرء قد يرى ذلك التنوع دليلاً على أن التكامل لم ينجح بدرجة كافية في الكثير من أنحاء أوروبا.
فقد كان ضمن الفريق الفرنسي الذي اصطف لاعبوه قبل مباراة نصف النهائي أمام بلجيكا الثلاثاء الماضي خمسة لاعبين ولدوا خارج فرنسا لأبوين مهاجرين، وهم كاميروني المولد صمويل أوميتي، ومالي الأبوين نغولو كانتي، وغيني الأبوين باول بوغبا، وكاميروني الأب وجزائري الأم كيليان مبابي، وأنغولي الأب وكونغولي الأم بلايس ماتيود. يشكل هؤلاء اللاعبون 45 في المائة من قوم الفريق الأساسي البالغ 11 لاعباً، في حين يشكل المهاجرون من خارج الاتحاد الأوروبي وأبناؤهم 13.5 في المائة من سكان فرنسا، بحسب مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات).
وفي الفريق البلجيكي، ضم الفريق البلجيكي الأساسي خمسة لاعبين مهاجرين أيضاً، وهم نصار تشادلي، الذي لعب للفريق القومي المغربي قبل أن ينتقل إلى الفريق البلجيكي، ومروان فليني الذي جاء لأبوين مغربيين، وفينسينت كومباني وراميلو لوكوكو اللذان جاء لأبوين كونغوليين، وموسى دمبلي الذي جاء لأب مالي. وتبلغ نسبة سكان بلجيكا من المهاجرين من الجيلين الأول والثاني من خارج الاتحاد الأوروبي 12 في المائة من تعداد سكان البلاد.
كذلك، تضم إنجلترا عدداً كبيراً من اللاعبين من المهاجرين غير الأوروبيين، غالبيتهم من دول الكاريبي، كما هو الحال بالنسبة للاعبين مثل كيل واكر، وأشلي يونغ، ورحيم ستيرلينغ، وجيسي لينغراد، في حين جاء ديلي ألي لأب نيجيري، وهي نسبة تفوق نسبة المهاجرين المقيمين في المملكة المتحدة الذين لا يتعدى 14 في المائة من تعدد السكان في المملكة المتحدة.
لم يكن مدرب الفريق الإنجليزي غاريث ساوثغيت محقاً عندما قال، إن فريقه «يمثل إنجلترا الحديثة». على أي حال، لا مدرب الفريق الإنجليزي ولا مدربي فرنسا وبلجيكا الذين أدلوا بتصريحات مماثلة كانوا على خطأ عندما تفاخروا بتنوع فرقهم. فالفرق القومية ونظام اختيار العناصر في الدول الثلاثة ينتقي الأفضل بصرف النظر عن أصلهم أو دينهم أو لونهم. ينبغي على كرة القدم أن تختار على أساس الجدارة؛ لأن منافساتها لا تحكمها الحدود الجغرافية كما هو الحال في الرياضة الأميركية. في كرة القدم، يقف ابن المصرفي والمحامية (مثل حارس المرمى الفرنسي هوغو إلوريس) على قدم المساواة مع لاعب مثل لوكاكو الذي عجزت عائلته عن سداد فاتورة الكهرباء لأسابيع، واضطرت والدته إلى خلط اللبن بالماء الذي تقدمه لأطفالها ليستمر فترة أطول، وهو نفس حال رحيم ستيرلينغ الذي عملت والدته في تنظيف الغرف الفندقية لإعالة أسرتها.
بالنسبة للمهاجرين، قلة قليلة فقط منهم من سنحت له الفرصة للعب الكرة في ملعب مستوٍ. ومعدلات التوظيف بينهم متدنية في الجيل الأول مقارنة بباقي السكان، ولم يتحسن الوضع في الجيل الثاني.
وأظهرت الإحصائيات أن نسبة المهاجرين من الجيل الثاني تفوق أبناء البلاد الأصليين في التوجه للدراسة الجامعية في فرنسا والمملكة المتحدة (وليس في بلجيكا). لكن بحسب تقرير نشرته «منظمة التعاون الاقتصادي» عام 2017، فإن الغالبية العظمى من الشباب ذوي التعليم المتدني في الدول الثلاث هم من الجيل الثاني من المهاجرين، ومن خارج دول الاتحاد الأوروبي. وأفاد التقرير بأن طموحات التعليم بين أبناء عائلات المهاجرين بصفة عامة كبيرة، لكن الهيئات الداعمة ونقص المعرفة بأساليب الوصول إليها يقف حائلاً أمام تحقيق تلك الطموحات.
ونتيجة لذلك، في بلجيكا، فإن فرصة المهاجرين من أبوين من خارج الاتحاد الأوروبي في الحصول على عمل تعد أقل من أقرانهم من أبناء البلاد الأصليين بواقع 13.2 في المائة، مقارنة بنسبة 8 في المائة أقل من فرصة أبناء البلاد الأصليين في فرنسا، و4 في المائة في المملكة المتحدة.
غالباً ما يسكن المهاجرون في تجمعات زهيدة التكلفة ويحصلون على دخل منخفض وسط آخرين من خلفيات مختلفة؛ مما يخلق دوائر مفرغة تضم ملايين البشر، وإن كانت تزيد الحافز أمامهم للكفاح. وقد انعكس ذلك على كلمات لوكاكو عندما صرح لموقع «ذا بلايرز تريبيون»، قائلاً «كل مباراة ألعبها تمثل بالنسبة لي مباراة نهائي. عندما ألعب في الحديقة العامة، هي مباراة نهائي، وعندما كنت ألعب في فترة الراحة في الحضانة، كانت مباراة نهائي. كنت أحياناً أقطع جلد الكرة عندما أسددها بعنف».
كلمات مشابهة خرجت عن اللاعب الفرنسي الدولي السابق باتريك فييرا الذي استدعى فترة طفولته في أحد أحياء ضواحي باريس الفقيرة، وهي المنطقة التي خرج منها غالبية لاعبي الفريق الفرنسي من مهاجري الجيل الثاني.
أضاف باتريك، كنت ألعب أحياناً وأضع سكيناً في فمي للدلالة على عزيمتي، فقد كنت جائعاً للنجاح، وكنت أمي تمثل لي دافعاً كبيراً. فلم يكن هناك فرص عمل في هذه المناطق للكثيرين منا؛ ولذلك ترى ذلك الإصرار والعزيمة في عيون هؤلاء اللاعبين.
تعتبر الرياضة، خاصة كرة القدم، بإنفاقها السخي وأنديتها الغنية وأنظمة اختيار اللاعبين في الأندية الكبيرة الطريق المباشر للهرب من الفقر.
لكن هناك درساً يتعين علينا الاستفادة منه، وهو إمكانية استنساخ تجربة شبكات دعم الأطفال الموهوبين لتكرارها في غيرها من القطاعات. فهناك الكثير من الشباب والفتيات اليائسات اليوم بإمكانهم أن يكونوا نماذج أخرى من مبابي ولوكاكو في مجالات مثل التكنولوجيا والمال والفنون.
فالفرق القومية باختلاف ألوان بشرة لاعبيها يجب أن تذكّر الحكومات والشركات والمعاهد التعليمية أن عليهم البحث بجد أكبر عن الكثيرين من هؤلاء الموهوبين.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»