حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حوار مع تاكسي في لندن!

أكتب هذه السطور قبل انطلاق مباراة إنجلترا وكرواتيا في دور الربع النهائي من بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة بروسيا.
شوارع لندن تكاد تخلو من المشاة، فالإنجليز يعتبرونه يوم الحلم الذي قد يحقق أملهم في العودة لبطولة حرموا منها لمدة خمسين عاماً. سائق التاكسي لم يوفر الفرصة ليعبر لي (من دون أن أطلب منه) عن رأيه في هذه المناسبة، وكيف أن الشعب الإنجليزي من حقه أن يفرح بعد صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم «بريكست»، الذي أصاب الاقتصاد البريطاني بنكسة، مع العلم بأن هناك اعتقاداً خاطئاً أن سبب عدم نمو معدلات الأجور، هو وجود أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين الذين ساهموا في تخفيضها. وأضاف قائلاً، ها هي بريطانيا تذهب لحضور اجتماع دول حلف الأطلسي (الناتو)، وهم غير متأكدين من نوايا وتوجهات حليفهم الأكبر الولايات المتحدة تجاههم، في ظل السياسات الجديدة والقرارات المفاجئة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وزاد الرجل بقوله، من حظ دونالد ترمب أن يصل إلى لندن مع انشغال الناس في مباراة المنتخب الإنجليزي، وإلا كان رأى بنفسه مظاهرات الاحتجاج على زيارته إلى البلاد.
أوروبا تتغير، ومشكلاتها الداخلية صعدت على السطح، واليوم الاتحاد الأوروبي يضغط على بريطانيا لإعادة وضع الحدود الرسمية في آيرلندا وشمال آيرلندا؛ وهذا يعني وضع حدود داخل المملكة المتحدة نفسها، وهو أمر ترفضه بريطانيا بشكل قطعي، وهو أحد أهم أسباب تأخير الاتفاق النهائي الخاص بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا ستضطر إلى «تعويض» الدخل المفقود من خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأبسط وأسرع الحلول التي أمام الحكومة البريطانية كان رفع الضرائب، وهذا الإجراء أثار الفزع في نفوس الكثير جداً من الشركات والأفراد الذين اختاروا الإقامة في لندن؛ نظراً لاعتدال ضرائبها نسبياً، وهذا أيضاً جعل مطوري العقارات يتوقفون عن الإقدام على مشروعات جديدة بسبب عدم وضوح الرؤية، إضافة إلى وجود عمدة لندن الجديد المعروف بميوله اليسارية وتشجعيه الشديد لضرائب جديدة وإجبار المطورين على إقامة مساكن متدنية التكلفة، وهذه كلها ثقافة عمل غريبة على لندن، ولم تعتد عليها أبداً من قبل. الاقتصاد الإنجليزي في جهة والاقتصاد اللندني في جهة أخرى، فهو كان دوماً الملاذ الآمن للاستثمار المضمون؛ نظراً للطلب الثابت والمستمر لتكون لندن عاصمة العالم كله ووجود منظومة قضائية عادلة ومستقلة لا تنحاز للمواطن ولا تتحيز ضد الأجنبي، وهذه كانت دوماً من أهم وسائل الجذب الاستثماري، ومن أهم الاستقرار المالي والاقتصادي. لكن أوروبا تتغير وعلاقتها بأميركا تتغير، وهناك أموال تخرج من لندن بشكل واضح مغيرة من ميزان العرض والطلب. يبقى السؤال القائم لمصلحة من كل ذلك؛ لأن في كل وضع جديد ومتغير لا بد من البحث دوماً عن المستفيد.
في كل الأحوال يبقى وضع لندن أفضل حالاً من باريس، ونيويورك، ولوس أنجليس، وطوكيو وغيرها، لكن هناك خروج أموال وبشر من لندن، السؤال إلى أين سيتجهون، ومتى ما عرفت الجهات راقبوا صعود المنطقة التي توجه لها.