محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

هفوات «الشخصنة»

حينما ترهف السمع لحواراتنا تجد أن جل طاقاتنا تهدر في نقاش عقيم أساسه الشخصنة. والأسوأ أننا نمارس أنواعاً شتى من تلك الشخصنة من دون أن نشعر أحياناً.
والشخصنة تسمى باللاتينية ad hominem وقد ناقشها الفلاسفة، وبدأت تكثر في أدبيات التواصل والحوار الحديثة. وتعني أن يركز المرء على عيوب خصمه أو محدثه وينسى أو يتناسى مقارعة الحجة بالحجة فيظن واهماً أنه بتلك السطحية قد أفحم خصمه.
ومن أبرز صور الشخصنة TU Quoque وهي أن نتهم كمستمعين المتحدث بأنه يقول ما لا يفعل، وهذا الطرح بحد ذات لا يعد حجة كافية لدحض حجة المتحدث. مثل اتهام رجل دين أو معلم أو مفكر بأنه يقول ما لا يفعل. ولذا قال سفيان ابن عيينة «خذ بعلمي ولا يغرك تقصيري ينفعك علمي ولا يضرك تقصيري». وكان الأولى بالمستمع أن يركز على مناقشة الحجة وليس قائلها. وقد فصلت في ذلك في موضوع سابق بعنوان «العرب وعقدة من القائل».
وهنا انبثقت مشكلة أخرى تسمى «المغالطات الهتلرية» نسبة إلى الديكتاتور النازي هتلر. وهي أن يكون ردنا على من يحاول إقناعنا بالتسلح أو بعدم أكل اللحوم بكثرة بأن هلتر يفعل ذلك في محاولة للتقليل من شأن حجة الطرف الآخر. ردنا هذا بحد ذاته لا يعد مقنعاً ولا وجيهاً لأنه نسي القضية محل النقاش وربطها بشخص سلبي. وهذا بالتأكيد ليس كافياً كرد مقنع.
ومن أسوأ نماذج المغالطات «القدح الشخصي» حينما نقول لوجيه من وجهاء البلد أو رجل أعمال وهبه الله مالاً وفيراً «أنت ترفض إصدار قانون ضرائب على الشركات لأنك تاجر»! بعبارة أخرى «شهادتك مجروحة». هذه بحد ذاتها ليست حجة كافية، فقد يكون من وجهة نظره، لو أمهلناه وقتاً للتحدث، بأنه مع الضرائب شريطة إيقاف الهدر في المال العام.
هنا تأتي أهمية التدبر بتفاصيل حجج من نناقش قبل التسرع بالحكم عليه، بحيث يمكن أن نقارع الحجة بالحجة بدلاً من اتهامه شخصياً أو وصفه بأنه منحاز لأنه ينتمي إلى طبقة برجوازية أو طائفة أو قبيلة أو قومية معينة.
والمتأمل لنماذج الشخصنة العنيفة في مجتمعاتنا وتحديداً في وسائل التواصل يجدها تنتهى إلى مستنقع من الشتائم والسباب والقذف، وهو ما ينم عن أزمة حوار. فنحن مارسنا الحوارات قبل أن ننضج في مناخ من الحريات والمسؤولية وقبول الآخر، ولذا لا غرابة حينما نشهد تفشي هفوات الشخصنة من حولنا.
[email protected]