حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

السعودية: يوم ليس ككل الأيام!

مع قراءة هذه السطور تكون الشوارع والطرقات في المدن السعودية قد شهدت بداية قيادة المرأة للسيارة، وليصبح هذا الموضوع جزءاً من تاريخ الجدل العقيم.
اكتشف السعوديون أن قيادة المرأة للسيارة لم تخرجها من الدين ولا هزت عقيدتها، ولم تهدم قواعد الأمن ولم تخالف فيه أمر الشرع، ولا أثرت على قدرتها على الإنجاب، وهذه ما هي إلا بعض الفزاعات التي كان يطلقها مجموعة رافضي قيادة المرأة، واعتبروا ذلك الأمر في حال السماح به ما هو إلا «سقوط للأمة».
إنه يوم عادي ويوم غير عادي، لأن مسألة قيادة المرأة للسيارة في السعودية منعت بلا سبب وجيه ولا مقنع، وكانت مسألة لا يمكن شرحها ولا الدفاع عنها (بين أفراد الأسرة أنفسهم قبل أن يكون ذلك مع الآخرين)، وحملت أكثر مما ينبغي وأصبحت حالة رمزية للصراعات الفكرية والتيارات المتناحرة، مؤدية بذلك إلى سلب حق بسيط للمرأة جعلها في موقع شاذ من دون نساء العالم بأسره بما في ذلك الجزء العربي والإسلامي منه.
ويوم غير عادي لأنه يوم تستعيد فيه السعودية «جزءاً» آخر من موقعها الطبيعي بين العالم والأمم بلا «خلط» بين غرائب العادات وإلصاقها تحت عباءة الدين لتكون فزاعة تبرر التعسف في المنع لأي قرار.
لا يجب تضخيم ولا المبالغة في أهمية هذا اليوم وكأنه أشبه بهبوط الإنسان على سطح القمر، كما أنه يجب أيضاً عدم الاستخفاف بأهمية كسر الحاجز النفسي «لعقدة» طالما أثارت الحيرة والتعجب والحسرة لدى السعوديين أنفسهم قبل غيرهم من الناس.
هناك إحساس بالراحة والثقة لدى شرائح مختلفة من الناس لطيهم لهذه الصفحة التي كانت مصدراً لجدل لا داعي له أبداً. وهناك رغبة جادة في «الاستفادة» من هذه الخطوة لتنعكس بشكل إيجابي فعال ومؤثر وملموس على الحياة الاجتماعية والمصالح الاقتصادية، فهذه فرصة لمسائل حقوقية مغيبة تتعلق بتجريم العنصرية والتفرقة بكل أشكالها وأنواعها، وهي مسألة مع شديد الأسف لا تزال موجودة في المجتمع دون وجود نظام محدد الملامح يردعها بوضوح وبشكل قاطع. كذلك الأمر سيكون له انعكاسات متوقعة وبشكل إيجابي على الصعيد الاقتصادي، فهو سيفتح المجال وبشكل فوري للتوفير في مبالغ عظيمة كانت تصرف على سائقي المنازل وملحقاتهم، وهي أموال تخرج خارج المنظومة الاقتصادية الوطنية نتاج منع المرأة للقيادة.
إنه يوم جديد في حال إصلاح خلل آخر، وهي مناسبة تستحق الاحتفاء ولكنه لا يجب الوقوف عندها طويلاً. كان وضعاً غريباً وتم تعديله، وهذا أهم ما حصل. السعودية تتغير وهذا مشهد جديد يؤكد ذلك.
نعم هناك أمور أخرى مطلوب مواجهتها ولكن هذه خطوة تمنح الأمل ويحق للسعوديين الاحتفال والاحتفاء بذلك. وسيثبت السعوديون لأنفسهم أولاً ومن ثم للعالم أنهم قادرون على التعامل برقي واحترام مع هذا القرار.