حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

البيئة... الإنذار الكبير!

تابع العالم العربي أحداث إعصار «ميكونو» الذي أصاب سلطنة عمان بالأضرار البالغة نتاج العواصف العنيفة والأمطار الغزيرة، وهذا ثاني إعصار من نوعه يصيب السلطنة خلال فترة زمنية وجيزة جداً. معظم الناس اعتبروا المسألة حادثاً عابراً وعارضاً، إلا أن خبراء المناخ الجادين اعتبروا ما حصل سلسلة جديدة من الأدلة التي تؤكد أن الشرق الأوسط يتعرض إلى موجة عظيمة وهائلة من التغيرات المناخية الحادة جداً. ففي ألمانيا، يعتبر معهد ماكس بلانك للكيمياء أن الشرق الأوسط سيتعرض لموجات «أطول وأعنف» من الجفاف والحرارة المرتفعة وعواصف رملية متتالية. بمعنى آخر المنطقة العربية مقبلة على «تحول بيئي تاريخي»، كما وصفها أحد علماء الجيولوجيا أخيراً، وهو الذي أضاف أن درجات الحرارة في المنطقة سترتفع في فترة الصيف بضعف المعدل العالمي. الحرارة الحادة (فوق 45 درجة مئوية) ستكون بمعدل طبيعي بدرجة احتمال أكثر من خمسة أضعاف المتوقع في حلول سنة 2050. وهذا كله يفسر انحسار منسوب المياه بشكل غير مسبوق في نهري دخلة والفرات بالعراق، ما يهدد بكارثة بيئية حادة ستكون لها آثار مدمرة على المعيشة والزراعة هناك.
وما يقال عن نهري دجلة والفرات في العراق يقال أيضاً عن نهر النيل في مصر، الذي سيتعرض هو الآخر إلى أزمة انحسار في منسوب المياه فيه.
حتى في السعودية كانت أمطار جدة التي تسببت في كارثتي السيول الشهيرة هي نتاج هطول مياه الأمطار بمعدلات قياسية وغير مسبوقة. والكويت التي يعرف عن صيفها الحار الملتهب الشيء الكثير لوحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع حاد في درجات الحرارة والعواصف الترابية المصاحبة لها.
المغرب أيضاً مهدد بانخفاض منسوب الأمطار الموسمية بنسبة كبيرة تصل إلى 40 في المائة، ولنا أن نتخيل آثار ذلك على قطاع الزراعة وتبعاته الاقتصادية في هذا البلد الذي يعتمد على الزراعة بشكل أساسي.
هناك محاولات مهمة للاستفادة من التحول المناخي «اقتصادياً»، فالآن توجد مجموعة مهمة من المشاريع الكبرى الجادة التي ستقدم حلولاً للطاقة الرخيصة، سواء الشمسية منها كما تنوي السعودية والإمارات القيام بذلك، أو «الطاقة الهوائية» كما ينوي المغرب عمله، إضافة إلى مشاريع تحلية مياه البحار في مصر والسعودية والإمارات. هذه النوعية من التغيرات «الجادة والجذرية» في المناخ ستتطلب خططاً جديدة للتعامل مع حالات الطوارئ المناخية المتزايدة، وهذا سيتطلب تجهيزات مختلفة في البنية التحتية والتجهيزات الطبية والدفاع المدني، ناهيك بسياسات ترشيد مختلفة في استهلاك المياه.
ما يحصل مناخياً في المنطقة هو مجرد مقدمات لما هو آتٍ، ولكنه أيضاً جرس إنذار يجب أن يؤخذ بجدية حقيقية، لأن الإهمال سيكون ثمنه مرعباً وكارثياً دون أي مبالغة.
البيئة لم تعد ترفاً وشأناً ترفيهياً وإدارات وهيئات ووزارات استحدثت، لأن الغرب قام بذلك، فبالتالي يجب تقليدهم، ولكن المسألة لها علاقة مباشرة بكرامة الإنسان وجودة الحياة.