محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

فضيلة الإنصات في صلاة الجمعة

صلاة الجمعة دورة أسبوعية في فضيلة الإنصات. تطبق فيها كل المعايير الرئيسية التي قرأتها في دراسات علمية وفي الأدبيات التي تدعو إلى مكارم الأخلاق في الحوار.
ولذلك حينما أرى جموع المصلين وهي تتوجه نحو المساجد حول العالم، أتساءل هل تمعن نحو ربع سكان الكرة الأرضية (1.8 مليار مسلم)، بأنهم يدخلون إلى دورة متكاملة في فن الإنصات. فالمصلون، مثلاً، يمارسون مبدأ أساسياً فيها، وهو عدم مقاطعة المتحدث حتى يفرغ من كلامه. ولا يجوز لهم حتى تشميت العاطس ولا إلقاء التحية، ولا «مس الحصى»، وهي كناية عن عدم جواز الانشغال بملهيات عن الخطيب. بل الأعجب أنه حتى «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت» كما في الحديث. واللغو بحسب موطأ الإمام مالك، أي كلام لا خير فيه، وهو يفسد أجر الخطبة.
ولك أن تتخيل لو أن كل مستمع كان يهمس إلى جاره بخاطرة أو بسؤال لضجت المساجد وكل قاعة في العالم بضوضاء أحاديث جانبية لا تنم عن احترام المتحدث. وهو تصرف يتنافى مع أبجديات فضيلة الإنصات. وبعيداً عن الجانب الديني لو أن اثنين حضرا ندوة عامة ومارس الأول الانشغال بكل أنواعه فإن الثاني المنهمك بمتابعة المتحدث سيخرج بمعلومات أكثر من الأول، حتى ولو كانت المعلومة بأن المتحدث لا يفقه شيئاً مما يقول!
واللافت أيضاً ما قاله العلامة ابن دقيق العيد في كتابه «فتح الباري» بأنه حتى لو كان العاطس الخطيب نفسه فإنه يُؤثر الإنصات على تشميت العاطس لأنه بالإمكان تدارك تشميت الإمام بعيد الخطبة، انتهى كلامه. وهذه رمزية مهمة وأدب رفيع نمر عليها مرور الكرام من دون تدبر.
وقد يقول قائل إن المشكلة تكمن في خطيب الجمعة نفسه، أما الحل فباختيار مسجد آخر. فأنا، منذ سنوات عدة، أرتاد مساجد جمعة ناطقة باللغة الإنجليزية في الكويت، هروباً من هذه المشكلة في حين، وحرصاً على الاستفادة من الخطباء المحترفين الأجانب الذين يزورون البلاد. فدور المتحدث مهم في مشاعر المستمعين.
ولذا خصصت فصلاً كاملاً في كتابي «أنصت يحبك الناس» بعنوان كيف يعيننا المتحدث على حسن الإصغاء إليه.
خلاصة القول، إن المتأمل في فضائل خطب الجمعة من جهة نشرها لثقافة الإنصات يحق له أن يتساءل لماذا لا ينعكس شيء من ذلك على حواراتنا اليومية.
[email protected]