د. ناصر البقمي
أكاديمي سعودي
TT

قطر بين الإرهاب أو القطيعة المفتوحة

مرت سنة، منذ أن قررت كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر، بعدما توصلت - وفقاً للحقائق والمعطيات - أن هذا القرار الأسلم، حتى تعود الدوحة إلى رشدها، وتتخلى عن تبني الحركات الأصولية والإرهابية، ودعم مشروع طهران التوسعي، وهو الأمر الذي كان السبب الرئيس لكي تسرع العديد من الدول لقطع علاقاتها مع قطر، ويصرح بعض المسؤولين في عواصم صنع القرار بالإرهاب القطري.
في المجمل، وبالعودة لشروط الدول الأربع، يتبين لنا أن الخطوط العريضة للمطالب تتمحور حول مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب، وهو ما ترفض أن تتخلى عنه الدوحة، عبر تعنتها، وتمسكها بالأفراد والجماعات المصنفة إرهابياً.
وحتى لا يقال إنها مجرد مزاعم أو افتراءات، يجب ألا ننسى، أو يلهينا التقادم عن الاعترافات التي أطلقها وزير خارجية قطر من روما، عندما أكد للعالم أن قطر تدعم الإرهاب، وأنها ليست وحدها في المنطقة... هو بالضرورة كان يعبر عن السياسة القطرية، وعملها بالوكالة كمخلب قط للمشروع الإيراني.
أيضا، ومن ضمن الشهادات التي تؤكد حقائق دعم الدوحة للإرهاب، ما نشره معهد واشنطن، في مقالة سابقة، بعنوان «سجل قطر المتباين في محاربة الإرهاب»، لماثيو ليفيت وكاثرين باور، حيث جاء فيها: لم تتخذ قطر حتى الآن القرار الاستراتيجي بالتصدّي لتمويل الإرهاب بشكلٍ علني كمسألة سياسية، وقد ثبت أنّ بعض إجراءاتها المعروفة، هي تدابير غير مُكتملة (مثل مقاضاة بعض المموّلين الإرهابيين الذين حدّدتهم الولايات المتحدة والأمم المتحدة من دون أن تسجنهم).
أظن أننا نقف اليوم، والعالم، في نقطة غاية الوضوح، بعدما اتضحت ملامح المشروع، الذي تديره قطر بالإنابة، وتقوم بمهام توكل لها ولبعض التنظيمات الإرهابية، كوكلاء للإيرانيين.. ولنتبين حقيقة ذلك، ومدى الآثار العائدة على محاصرة التطرف والإرهاب من خلال المقاطعة، يجب أن نسأل: كيف بدت المنطقة بعد مقاطعة قطر؟
من خلال البحث التراكمي، ورصد الوقائع والمتغيرات الجيوسياسية، نكتشف أن المقاطعة ساهمت بشكل كبير في هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق، وأدت إلى انحصار الأعمال الإرهابية في مصر، وبسببها تم طرد التنظيمات الإرهابية من عدة مواقع في ليبيا، كما ساعدت في الهزائم المتلاحقة على ميليشيات الحوثي في اليمن، بالإضافة إلى انهيار المشروع الإخواني في المنطقة، وتراجع النفوذ الإيراني في العراق، وكذلك انخفاض تدفق الدعم المالي للتنظيمات الإرهابية، والأهم هو انحسار تأثير خطاب الكراهية.
في الوقت نفسه، حاولت أن تحتال الدوحة، خلال العام، على دعمها للإرهاب، عبر اتخاذ بعض التدابير الصورية، ورغم ضعفها؛ إلا أنها اعترافات ضمنية، أهمها توقيع اتفاقية (وقف) تمويل الإرهاب، التي كانت تمتنع عنها في وقت سابق، قبل المقاطعة.. بالإضافة إلى تحديث قائمة الإرهاب لدى الدوحة، مع عدم الاتفاق التام معها، لأن ما نشاهده يقول إن قطر مأوى الإرهابيين، من رموز «القاعدة» ومروراً بقادة الإخوان، وليس انتهاء بالشخصيات المصطفة مع «داعش».
قطر اليوم ليست قبل عام، وخسائرها السياسية والاقتصادية في تصاعد كبير، ويكفيها من هذا التمرد اسمها الموصوم بالإرهاب عالمياً.. لا خيارات كثيرة لديها، إما العودة عن دعم التطرف وتغذية الإرهاب، أو الاستمرار في قطيعة مفتوحة الزمان، مع القوى المكافحة للتطرف والإرهاب، وعلى رأسهم دول الخليج التي تبنت المقاطعة.
* الأمين العام للمركز العالمي
لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال)