بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

نجاح محمد صلاح... مستهدف

مثل أي نجاح يخطف الأبصار كما البرق، خصوصاً إذا تحقق بإيقاع خاطف زمنياً، يواجه الشاب المصري محمد صلاح، نجم فريق ليفربول البريطاني، خطر استهداف نجاحه المشهود له عالمياً. معروف أن «كل ذي نعمة محسود». لكن ما يواجه نجاح محمد صلاح ليس فقط ذلك النوع من خطر الحسد المرفوض في كتب السماء، والمذموم بين كِرام الناس، ولا هو تهديد التنافس مع أرجل تركض أمامه، وراءه، عن يمينه وعن شماله، فكل ذلك لعب مشروع على أرض ملاعب وُجدِت لهذا السبب، والتمتع بفنون أدائه هو غرض الناس من مشاهدة جمال اللعبة الجميلة، ثم إن النجم محمد، بما وُهِب من مواهب حباه بها الخالق الوهاب، ونمّاها التدريب الشاق، وصقلها جهد ذوي العزم، أجاد فن الإقدام بين أقدام تجري وراء كرة يسعى كل لاعب كي يسددها في مرمى الخصم، وإذ ذاك حصد من الأهداف ما خطف إعجاب الملايين، وبالطبع أثار غيرة الحاسدين، فلا خوف عليه ضمن لعب يراعي الأعراف والقوانين. مم إذن سوف يأتي التهديد؟
ما يبدو أنه تهديد يواجه نجاح محمد صلاح، بدأ يطل من أناس يستهويهم ادعاء أن رسم خُرط طرق مستقبل الناس طوع بنانهم. تسمع لهم فيبدو واضحاً أنهم أوهموا أنفسهم أن بوسعهم بيع أي شيء للجمهور، ولأنهم صدقوا وهمهم ذاك، تمترسوا في خنادق ظنون الزعم القائل إنهم أدرى من غيرهم، حتى في حميم أو خاص شؤون ذلك الغير. تجد بين هؤلاء من يخلط الألوان لكنه يفشل في الفصل بينها. يسارع البعض إلى خلط الأسود بالأبيض، إذا كان في ذلك نفع في تسويق ما يرفع من شعارات تخص أجندات سياسية محددة، لكن ذلك التيار، على وجه الخصوص، يرفض الاقتناع بلون رمادي وسط حتى إذا كان يرضي أذواق السواد الأعظم من أهل مجتمع ما.
المعتادون إقحام أمور ليست تربطها صلة، في بعضها بعضاً، لا يريدون ترك نجاح محمد صلاح يمر بلا استهداف له يخدم ما يزعمون أنه صالح العرب والمسلمين. كما حصل من قبل مع نجوم عرب آخرين، أثبتوا حضورهم الناجح في ميادين تخصصهم العالمية، بدأت تطل أصوات تستهدف تسييس نجومية الهدّاف الشاب في ميدان كرة القدم، وجرّه ليس فحسب نحو مجال خارج تخصصه، بل فوق قدرته. المطالبون محمد صلاح باتخاذ مواقف سياسية، وإطلاق تصريحات نارية، إزاء ما يجري في عالم عربي يموج بصراعات أطراف وقوى من مختلف أنحاء الكوكب، إما أنهم يفعلون ذلك لأنهم سذج، أو أن بينهم مَن يعرف جيداً ما يريد من الاستهداف السياسي لنجاح محمد صلاح الرياضي على صعيد دولي.
أقل ما يقال في الرد على هكذا استغلال، هو دعوة أصحابه إلى الكف عن التلاعب بعقول بسطاء الناس، كلما أتيحت لهم الفرصة في أي من ملاعب العبث السياسي. ليس من جديد في الأمر. حصل هذا من قبل مع النجم الفلسطيني الشاب محمد عساف، فور ما ذاع صيته بعد فوزه الساطع بمسابقة «أراب آيدول» التي جرت بإشراف «إم بي سي» سنة 2013. ورغم أن محمد عساف ابن نكبة فلسطين، ونشأ في حضن مأساة قطاع غزة، وصدع صوته بحب بلده بلا طلب من أحد، مع ذلك كله، سارع بعض المشيدين بنجاحه إلى مطالبته بما هو في غير مجاله، وفوق قدرته أيضاً، أرادوا توظيف نجوميته سياسياً، كأنه ليس كافياً أن ينجح محمد عساف في خدمة قضية شعبه عبر مجال أبدع فيه.
مساء السبت الماضي، سمعت من صديق وحرمه كيف أن حرص محمد صلاح على السجود، عندما يسدد الهدف، صار يُقلد من قِبل بعض الفتية المشجعين لفريق ليفربول. دعونا نتأمل شاسع الفرق بين هذا التقليد النابع من التودد، وبين ذهول أصاب ملايين حول العالم، كانوا يتابعون مباراة السبت ذاته مع فريق ريال مدريد، عندما أقدم اللاعب سيرجيو راموس على حركة ممنوعة في رياضة الجودو تسببت في سحب محمد صلاح من الملعب. خلاصة التأمل بسيطة، وهي موجهة للمستهدفين نجاح محمد صلاح سياسياً، دعوا النجم الشاب يواصل النجاح، وكفوا عن إعطاء الناس ما يهمكم من دروس تخصكم، وليست بالضرورة تعني كثيراً لغيركم.