إيلي ليك
TT

بومبيو يرفع سعر عودة إيران إلى المجتمع الدولي

إن أردت أن تعرف، في أي وقت من الأوقات، الاستراتيجية المضادة لاستراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حيال إيران، فإنني أوصيك بمتابعة خطاب الاثنين الماضي لوزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو في مؤسسة «هيريتاج».
ففي خطابه الرئيسي الأول بعد توليه المنصب الدبلوماسي الرفيع، بسط السيد بومبيو القول حول معالم استراتيجيته التي تعصف بثلاث فرضيات رئيسية شكلت الركائز الأساسية لسياسة إدارة الرئيس أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، إزاء إيران. والفرضيات الثلاث هي: إمكانية تقبل الولايات المتحدة الأعمال العدائية الإيرانية إقليمياً في مقابل القيود المؤقتة المفروضة على برنامجها النووي؛ وأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 يعبّر عن إرادة المجتمع الدولي؛ وأن القيادة الإيرانية المنتخبة حالياً يمكنها العمل على ضبط الأمور في البلاد بمرور الوقت.
ودعونا نبدأ بالفرضية الأولى. في حين أن الإدارات الأميركية السابقة قد فرضت العقوبات على إيران بسبب سوء السلوكيات المختلفة – انطلاقاً من رعاية الإرهاب الدولي إلى انتهاكات حقوق الإنسان محلياً – عرض الرئيس أوباما خلال فترة ولايته الثانية رفع أغلب العقوبات الاقتصادية إيلاماً على إيران في مقابل التنازلات النووية من قبل طهران. ومنح أوباما النظام الإيراني الاختيار؛ إما الأسلحة النووية أو الاقتصاد الوطني.
وقال وزير الخارجية بومبيو يوم الاثنين، إن الاتفاق النووي القديم لم يعد ساري المفعول. وبموجب العقوبات الاقتصادية المجددة، كما قال، سوف تضطر إيران اضطراراً إلى الانتقاء بين خيارين مختلفين تماماً؛ إما الكفاح للمحافظة على دعم الاقتصاد الوطني أو مواصلة تبديد ثروات البلاد في المغامرات العسكرية في الخارج. ولن يتاح لدى إيران الموارد الكافية للقيام بكلا الأمرين على الإطلاق.
وتقلب هذه المعادلة الجديدة مقامرة الرئيس أوباما رأساً على عقب، إذ قال الرئيس أوباما إنه في ظل حالة عدم الاستقرار التي زرعتها إيران في ربوع الشرق الأوسط، فقد كان الأمر يستحق تخفيف العقوبات على النظام المصرفي الإيراني وعلى الصادرات النفطية في مقابل القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني. وقال السيد بومبيو، إن هذه الصفقة كانت فاشلة: «لن يكون هناك توسع إضافي ومجاني للقوة الإيرانية في المنطقة»، مشيراً إلى الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» المتفرع عن الحرس الثوري الإيراني. وأضاف وزير الخارجية الأميركي في خطابه: «إنه (الجنرال قاسم) كان يعبث بأموال الشعب التي استحالت دماء مهراقة، وكانت ثروات الغرب هي المغذي الأول لحملته الهوجاء في المنطقة».
واستهدف السيد بومبيو في خطابه أيضاً العناصر الأكثر غموضاً في استراتيجية باراك أوباما الدبلوماسية حيال إيران، والتي كانت تتعلق بالدول الأكثر تضرراً من تقلبات السياسة الأميركية إزاء إيران – وهي إسرائيل والبلدان العربية الحليفة – والتي لم تكن ضمن مفاوضات الاتفاق النووي السابق. وكانت دول التفاوض بشأن الاتفاق النووي هي الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، وإيران، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة. وكانت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل تُحاط علماً في وقت لاحق بنتائج المحادثات.
أما الآن، فأصبح الجانب الأوروبي، والروس، والصينيون جزءاً لا يتجزأ من مجموعة أكبر بكثير تريد الولايات المتحدة من خلالها ممارسة الضغوط على إيران بغية تغيير سلوكياتها في المنطقة. وقال السيد بومبيو عن ذلك في خطابه: «أريد من الأستراليين، والبحرينيين، والمصريين، والهنود، واليابانيين، والأردنيين، والكويتيين، والعمانيين، والقطريين، والسعوديين، والكوريين الجنوبيين، والإماراتيين، وغيرهم الكثير الانضمام الآن إلى هذه الجهود المتضافرة ضد جمهورية إيران الإسلامية».
كما وجّه وزير الخارجية الأميركي نداءً صريحاً إلى الشعب الإيراني نفسه حين قال: «تصادف العام المقبل الذكرى الأربعون لقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وللثورة الإيرانية. وعند هذا المنعطف المهم، علينا أن نسأل أنفسنا: ما الذي قدمته الثورة الإيرانية للشعب الإيراني حتى الآن؟».
وفي التفاتة إلى أوباما وكيري، دعا السيد بومبيو كلاً من الرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، والشعب الإيراني بأسره، قائلا: «الغرب يقول، إن تمكنوا من إحكام السيطرة على المرشد علي خامنئي وقاسم سليماني فكل شيء بعد ذلك هين ويسير. ورغم ذلك، فإن روحاني وظريف هما قادتكما المنتخبان. أوليسا هما المسؤولين عن معاناتكم الاقتصادية؟ أوليسا هما المسؤولين عن إهدار أرواح الشعب الإيراني في كافة ربوع الشرق الأوسط؟».
قارنوا بين ذلك وبين التودد الحذر من قبل أوباما وكيري حيال روحاني وظريف. حتى بعدما قامت وحدات الحرس الثوري الإيراني باحتجاز وإهانة 10 من جنود القوات البحرية الأميركية جنحوا عن غير قصد إلى المياه الإقليمية الإيرانية، حرص جون كيري على شكر جواد ظريف لمساعدته في الإفراج عنهم. وبعد فوز حسن روحاني في انتخابات عام 2013 الرئاسية، شرعت إدارة الرئيس أوباما في تخفيف العقوبات الاقتصادية قبل شهور من بدء المفاوضات الرسمية بشأن الاتفاق النووي.
ولم تبلغ دعوة السيد بومبيو إلى الشعب الإيراني مستوى الدعوة المباشرة إلى تغيير النظام الحاكم في البلاد. وكان أقرب ما قيل في ذلك: «نأمل، بكل واقعية وننتظر، أن يثوب النظام الإيراني إلى رشده ويساند – ولا يقمع – طموحات الشعب الإيراني المشروعة».
ومع ذلك، لم تكن توقعات السيد بومبيو بشأن معاملة النظام الحاكم في طهران للشعب الإيراني مدرجة على قائمة المطالب الـ12 للنظام الإيراني إن كانوا يرغبون حقاً في معاودة الانضمام إلى المجتمع الدولي. وكانت هذه المطالب تغطي مجموعة من الأنشطة، من الإفراج عن الرعايا الأميركيين المحتجزين لدى إيران في السنوات الأخيرة، وإلى سحب كافة القوات الإيرانية والموالية لإيران من الأراضي السورية، والسماح بالوصول غير المشروط للمفتشين النوويين إلى المواقع العسكرية الإيرانية. وإن امتثلت إيران لهذه المطالب، قال السيد بومبيو إن إدارة الرئيس دونالد ترمب سوف تؤيد اتفاقية المعاهدة (الأمر الذي لم يفعله الرئيس باراك أوباما) والتي سوف تسمح لإيران بحق الوصول إلى الأسواق الأميركية إلى جانب الاعتراف الدبلوماسي الكامل.
وكما قال الكثير من المعلقين بالفعل، فإن فرصة أن تمتثل إيران لهذه المطالب هي فرصة معدومة. ولكن تفوتنا هنا نقطة في غاية الأهمية. في خضم حماسته لعقد الاتفاق مع إيران، كان الرئيس أوباما مستعداً للتطبيع مع أمة كانت تساعد وتحرض على الجرائم المروعة التي ارتكبت بحق الشعب السوري، والإطاحة بالحكومة الشرعية في اليمن، وتقويض أركان الحكومة المنتخبة في العراق، وهي الأمة التي احتجزت الكثير من الرعايا الأميركيين في حين كان دبلوماسيوها يتفاوضون بشأن الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. كما أنها نقلت الأسلحة والصواريخ إلى الإرهابيين في لبنان بهدف مهاجمة دولة إسرائيل.
كل هذا كان مستحقاً للعناء، وكان أوباما وكيري مصرّين على المواصلة، بسبب أن إيران وافقت على فرض القيود المؤقتة على برنامجها النووي، تلك القيود التي لن يكون لها من أثر يُذكر خلال 10 إلى 20 عاماً على الأكثر. غير أن الأعراف التي تميز الدول المارقة عن المواطنين الدوليين قد وهنت للغاية خلال هذه العملية القميئة. ولقد اتخذ السيد بومبيو في خطاب يوم الاثنين أولى خطواته لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»