د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الشمول المالي

ذاع مؤخراً مصطلح «الشمول المالي» أو «الاشتمال المالي»، وهي حركة عالمية، تهدف إلى إدخال أكبر عدد ممكن من سكان العالم في النظام المصرفي الحديث. والهدف الأوّلي المبسّط للشمول المالي أن يكون لكل شخص في العالم حساب بنكي شخصي، يقوم باستخدامه في الإيداع والسحب والادخار. وقد يبدو هذا الموضوع مستغرباً للبعض، خصوصاً سكان المدن الذين تعوّدوا على نمط الحياة المدنية، والذين قد يملك بعضهم أكثر من حساب بنكي وأكثر من بطاقة ائتمانية. إلا أن الموضوع ليس بهذه الغرابة، ففي عام 2011 كان نصف سكان العالم لا يمتلكون حسابات بنكية، وانخفضت هذه النسبة في عام 2014 لتصبح 38%، وفي عام 2017 وصلت هذه النسبة إلى 31%. أي أنه في الوقت الحالي، ما يقارب ثلث سكان العالم الراشدين لا يمتلكون حسابات بنكية، وجميع تعاملاتهم المالية عن طريق النقد. فما الفائدة المرجوة من وراء التشجيع على الشمول المالي؟
يلخص البنك الدولي أهداف الشمول المالي في تسهيل الوصول للخدمات المصرفية بأشكالها وتمكين فئات المجتمع كافة من الوصول إلى هذه الخدمات. كما يحتم الشمول المالي أن تكون هذه الخدمات متوفرة بأسعار معقولة وأن تشمل خدمات تفيد أغلبية المجتمع بدل التركيز على خدمات كبار التجار والمستثمرين.
وعلى المستوى الشخصي، فإن التعامل بالنقد يرتبط بشكل أساسي مع زيادة معدل الخطر، ففقد المال النقدي أسهل من فقده في الحساب المصرفي، وهذه مشكلة تؤرق الدول النامية بشكل كبير، ولذلك فإن الكثير من الدول الأفريقية حالياً تشجّع مواطنيها على إيداع أموالهم وادخارها في البنوك بدلاً من ادخارها في البيوت، وفي ذلك تقليل لنسبة الجريمة أيضاً. كما أن وصول الشخص إلى الخدمات المصرفية يزيد سهولة تعاملاته المالية، سواء من خلال الحوالات البنكية الأكثر أماناً من الحوالات النقدية، أو من خلال الوصول إلى خدمات البنوك المتعددة. وامتلاك الفرد حساباً بنكياً، يوفر له سجلاً بنكياً يمكّنه من الحصول على تمويل بنكي في حالات الطوارئ أو حتى في حال أراد الحصول على تمويل لغرض الاستثمار.
وهذا ما يقود إلى فوائد الشمول المالي على المستوى الاقتصادي، فسهولة وصول الأفراد إلى التمويل، تعني زيادة الإمكانية في الاستثمار. وفي حال عدم امتلاك الشخص حساباً بنكياً، فهو محدود بنطاقه المالي فقط مما يصعّب عملية الاستثمار بشكل كبير. إضافة إلى ذلك، فإن دخول عدد أكبر في النظام المصرفي يعني زيادة السيولة البنكية، وهو ما قد ينعش الاقتصاد، فالسيولة التي يدّخرها الفرد في بيته تمكّنه وحده من الاستفادة منها، أما السيولة المودعة في البنك فتمكّن أطرافاً أخرى من الاستفادة منها واستثمارها بدلاً من بقائها دون استثمار.
ولعل النقطة الأهم هنا هو تأكيد الفارق بين امتلاك حساب بنكي واستخدامه، فالإحصائيات توضح أن خُمُس الحسابات البنكية في العالم غير نشطة، أي أنها خلال الاثني عشر شهراً الماضية خاملة من دون أي عملية سحب أو إيداع. كما أن الكثير من أصحاب الحسابات البنكية، ليس لديهم إدراك كامل بما تتيحه لهم حساباتهم البنكية من خدمات مصرفية. وقد تلام البنوك في ذلك بشكل كبير، فهي تركز على خدمات الأعمال والتجار بشكل أكبر من الأفراد بحكم فارق الربحية بين القطاعين. ولتوضيح هذه النقطة، يتم النظر عادةً إلى عملاء المتاجر الإلكترونية، والذين غالباً ما يمتلكون حسابات بنكية، ويُنظر تحديداً إلى نسبة المشترين ببطاقات بنكية مقارنةً بمن يشترون بخدمة الدفع عند التسلم، والملاحظ بحكم كثرة التسويق بهذه العبارة «الدفع عند التسلم» هي زيادة الحرص عليها من عملاء المتاجر الإلكترونية. ولذلك فإن من أهداف الشمول المالي تشجيع أصحاب الحسابات البنكية في استخدام بطاقاتهم في الشراء عبر المتاجر الإلكترونية بدلاً من الدفع النقدي، وهو ما يجعلهم يزيدون النشاط البنكي بشكل أكبر.
إن التشجيع على الشمول المالي مهمّ حتى يكون جميع أفراد المجتمع شركاء في اقتصاده، وهو مهم أيضاً ليطوّر القطاعُ المصرفي من خدماته فتكون شاملة لجميع فئات المجتمع، فتكون الخدمات البنكية ملائمة للاقتصاد الوطني وللتوجه المستقبلي للبلاد. كما أن تطور هذه الخدمات البنكية واستخدامها بشكل فعلي من أفراد المجتمع يزيدان من الثقافة المالية لدى الأفراد وذلك بمعرفتهم التامة بما تتيحه لهم هذه المصارف من خدمات خاصة بما يختص بالادخار والدخول في استثمارات آمنة.