فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

أنسنة المدن ودور الإعلام

على هامش انشغال البال العربي بما ستنتهي إليه الحرب الأميركية الباردة على إيران وتدخلاتها في المنطقة، ومقدمات الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الفاترة إلى أن يحدث العكس، وما بين هاتين الحربين من تداعيات حرب اختبار القوى السياسية في كل من لبنان والعراق، تستوقف المتأمل في أحوال الأمة تباشير إنجازات ورؤى من شأن رعايتها تحقيق إيجابيات، والتأكيد على أن هموم السياسة وكثرة الانشغال بالصراعات السياسية، وعدم تغليب التعقل على العناد والتحديات، لا يعني عدم الاهتمام بما يصحح مفاهيم ويعزز شأناً تراثياً، على نحو ما شهدتْه المدينة المنورة التي في رحاب أجوائها الرحمانية رعى أميرها الدكتور فيصل بن سلمان بن عبد العزيز يوم الاثنين 7 مايو (أيار) 2018، مؤتمراً جديداً من حيث الفكرة والهدف على عالم المؤتمرات، بعدما كان قد رعى مطلع الشهر خطوة تنويرية تتمثل في «ملتقى المدينة المنورة للخط العربي» الأصيل، كي لا يندثر رونقه أمام هجمة إلكترونية الحروف العربية.
كما أنه بالتسمية التي يحملها «المؤتمر الدولي لأنسنة المدن» يبدو إذا جاز الافتراض رسالة تنبيه من الحاصل منذ سنوات، وما زال مستمراً في مدن عربية تعيش حالة من التوحش. ولكي لا يبدو عدم التحديد متعمَّداً، فإن مدناً سورية وليبية ويمنية كثيرة، تعيش منذ خمس سنوات حالة التوحش المشار إليها، والتي تحتاج إلى الأنسنة.
ومع أن المؤتمر الذي شارك فيه خمسون متحدثاً وخبيراً من أربع عشرة دولة بأوراق عمل وبحوث متخصصة تتناول كل ما من شأنه أنسنة المدن، أي بما معناه تصبح المدينة حاضنة في منتهى الرعاية والاهتمام والعناية بساكنها، هو رافد تصب مياهه في بحيرة الخير التي هي «رؤية 2030»، فإن ما يرمي إليه المؤتمر هو أن يكون خريطة طريق لكل بلد عربي تحتاج مدنه إلى الأنسنة. وفي تقديرنا أن كل المدن العربية في أشد الحاجة إلى هذه الأنسنة، مع اختلاف نسبة الاحتياج.
والقول إن استضافة أمير المدينة المنورة ورعايته لمؤتمر الأنسنة ليست فقط من أجل المملكة ورؤيتها الواعدة، وإنما أيضاً لأجل الأمة، فلأن المملكة هي الحاضنة قبل «قمة القدس»، وبعد هذه القمة. والحاضنة بمعنى الوقوف مع أي دولة عربية تحتاج إلى المساندة، لمواجهة المتحرش الإيراني بها، ونجدتها في ساعة الشدة تباغتها، والنصح تسديه عندما يجتاح العناد أسوار القيمين على شؤون البلاد والعباد.
وها هو الدور الحاضن يستقبل حديثاً واجباً جديداً، يتمثل في أن الرياض باتت «عاصمة الإعلام العربي». وهذا الإجماع على الاختيار من جانب وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الذي انعقد في رحاب الجامعة في القاهرة، هو نوع من تكليف الأمة للقيادة السعودية، باعتبار الإعلام كيانات وأشخاصاً رديفاً للخطوط العريضة التي حددها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمام قمة الظهران، التي رفع منسوب أهميتها بضع درجات بتسميته لها «قمة القدس». وحيث إن المرحلة المقبلة دقيقة، بما قد تحمله الأيام من مفاجآت ليست في الحسبان، فإن اصطفاف الدور الإعلامي إلى جانب الدور الدبلوماسي من شأنه تشكيل سند فاعل للدور السياسي.

كما أن اختيار الرياض عاصمة للإعلام العربي، من شأنه المباشرة الدفع بالإعلام العربي نحو آفاق جديدة؛ حيث إن الاهتمام من جانب المملكة كان مركزاً إلى جانب الإعلام المحلي السعودي على وسائل الإعلام الأجنبية، وبشكل خاص الأميركي والبريطاني والفرنسي، لإضاح التغيرات التقدمية في المملكة. وقد أثمر هذا التركيز في ضوء الإطلالات التلفزيونية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والمقابلات الصحافية التي أُجريت معه، ذلك أنها من المرات القليلة التي تسعى وسائل إعلام أجنبية لإجراء مقابلات صحافية وتلفزيونية مع مسؤول قيادي عربي، باستثناء الرئيس جمال عبد الناصر في الفترة التي سبقت حرب 1967، والرئيس أنور السادات بعدما أبرم اتفاقية كامب ديفيد.
وبالنسبة إلى ما يتعلق بالأمير محمد بن سلمان، فإن سعيه لإيصال أفكار رؤيته وصدق تصميمه على إحداث عملية تطوير متعددة الجوانب في المجتمع السعودي، إلى المجتمعات الأميركية – الأوروبية، التقى مع تحفيز لدى صحف تطبع بالملايين ومحطات تلفزيون يشاهد برامجها عشرات الملايين، لكي تعرف منه نوازع هذا التوجه من جانبه، كونه في بداية الثلاثينات، وهذا أمر غير مألوف في عوالم الحُكْم في العالم العربي، عدا ظاهرة عبد الناصر الذي كان هو الآخر في النصف الأول من العقد الثالث، عندما أقدم على خطوات أبرزها تأميم قناة السويس، وبات في ضوء تداعيات خطوته هذه ثم إتباعها بالنهج الاشتراكي، مقصد الإعلام الأجنبي صحافة وتلفزيوناً.
ربما سيرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - وقد باتت الرياض عاصمة الإعلام العربي - أن يوجِّه المسؤولين السعوديين، وبالذات وزراء الخارجية والإعلام والاقتصاد والنفط، وكذلك المسؤولين في برامج «رؤية 2030»، بالانفتاح على الإعلاميين العرب؛ خصوصاً أن هؤلاء يحتاجون أحياناً إلى ما يسمعونه من المسؤول مباشرة، ومناقشة كثير من النقاط التي يفيد كلام المسؤول حولها.
وحيث إن ولي العهد ورؤيته قضية عربية عامة، فإن ما تفتقده تلك القضية حتى إشعار آخر، هو أن يكون التفاعل الإعلامي العربي مع مشروعه حاضراً بالتوازي مع الإعلام الأجنبي.
في المشهد العربي الصاخب ثلاث مدن سعودية عريقة، تعيش تباشير أحوال أفضل. فإلى «أنسنة المدن» التي انطلقت من المدينة المنورة، وبهدف أن تتمدد هذه الأنسنة من المملكة في اتجاه سائر المدن العربية المكتوية بالإهمال لدى البعض، والتوحش لدى البعض الآخر، والفساد لدى الجميع، بدأ الأخضر من الشجر، وبمبادرة من شركة «أرامكو» يأخذ طريقه للزرع، بدءاً بالظهران التي احتضنت «قمة القدس»، وبحيث لا تنقضي ست سنوات إلا ويكون هنالك عشرة ملايين شجرة زُرعت، وسيورق الأخضر ومعه بعض الألوان الزاهية.
وبين الأنسنة والتخضير يحل الإعلام العربي ضيفاً على الرياض لعام 2018، مواكباً للقمة العربية التي حسم الملك سلمان فيها كثرة القال والقيل في موضوع القدس، واضعاً بذلك الرئيس ترمب تحت مجهر الاختبار.
وكل رمضان ونحن وإياكم من عواد هذا الشهر الفضيل، في ظل رئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز للأمة، من المحيط إلى الخليج.