باري ريثولتز
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

عاصفة تغريدات يتعيّن على كل مستثمر قراءتها

نشر جيمس أوشينزي مؤخراً عاصفة طويلة من التغريدات المثيرة عن جهل المستثمرين. ويشغل أوشينزي منصب رئيس ومؤسس شركة «أوشينزي أسيت مانجمنت»، وهو أيضا مؤلف كتاب عن الاستثمار الكلاسيكي حمل عنوان «ما الذي يمكن أن ينجح في وول ستريت»، وهو كتاب جدير بالقراءة من الغلاف إلى الغلاف.
وكما يعرف القراء العاديون، فإن التغريدة الأخيرة كانت عن أحد موضوعاتي المفضلة. ولكي أكون أكثر دقة، كانت عن جهلنا لحقيقة جهلنا. فبدءاً من العمل الأصلي لدانييل كينمان، وأرمور تفرسكي، حسبما ورد في بحثهما الشهير الذي نشر عام 1974 تحت عنوان «الحكم عن جهل» إلى بحثهما الذي حمل عنوان: «تأثير دانينغ كروغر» في إدراك الإدراك - وتعني المهارات الخاصة التي نحتاجها لإدراك ما بداخلنا من مهارات كثيرة - ستستمر نقطة الضعف تلك كأمر بالغ الأهمية للمستثمرين.
يستهل أوشينزي نقاشه بعبارة تنم عن قدر من التواضع قال فيها: «هناك أشياء أعتقد أنني أعرفها وأشياء أخرى أعرف أنني لا أعرفها». ومثل تلك الملاحظة البسيطة تجعله يسبق 80 في المائة من المستثمرين، فليس تلك هي الطريقة التي يفكر بها الكثير من المستثمرين. الخطوة الأولى هي إدراك ما تعرف أنك لا تعرفه. وبالنسبة لأوشينزي، يبدأ هذا السؤال البسيط الذي يثار كل يوم على لسان الإعلاميين المختصين بشؤون المال سواء في الصحف أو في التلفزيون والذي يجادل فيه أيضاً سماسرة التجزئة ومديرو الصناديق، فالسؤال هو: كيف سيكون أداء السوق في العام الحالي أو المقبل؟ غالباً ما يأتي السؤال مصاحباً لسؤال آخر هو: هل سترتفع أسواق المال خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة أم ستنخفض؟
هنا يشير أوشينزي إلى عدة احتمالات - وهو أن أسواق المال تعتزم رفع قيمها مع مرور الوقت - بيد أنه يقول لاحقاً إنه لا يستطيع بأي درجة من درجات اليقين أن يقول ما إذا كانت أسواق المال سترتفع بعد عقد من الآن.
وهذا الاعتراف وحدة كفيل بأن يرفعه ليسبق في الحكمة 90 في المائة من المستثمرين. فغالبية الناس لا تفكر في محاولة معرفة ما لا يعرفونه. ويذكرنا ذلك بالعبارة الرائعة التي ابتكرها وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد التي تتعلق بـ«معرفة غير المعروف». فالرائع في العقل البشري أنه يحتوي على نقطة عمياء لكل هذه الأشياء. لكن الحق يقال، فعالم ما لا نعرفه بعيد عن قبضة يدنا، حتى وإن عمدنا إلى خداع أنفسنا بالاعتقاد بأننا نعرف ما لا نعرفه.
ويذكرنا ذلك بما خلص إليه عالم النفس الأكاديمي روب بروزرتون في كتابه «العقول الشكاكة: لماذا نصدق نظريات الشك». وذكر ديفيد دانينغ، الأستاذ بجامعة ميشيغان، الذي يعد واحداً من اثنين أعدا بحثاً عن تأثير دانينغ كروغر، أن «العقل الجاهل ليس إناء فارغاً، فهو مليء بالمعلومات مثل الخبرات الحياتية والنظريات والحقائق والبديهيات والاستراتيجيات وأساليب الكشف والاكتشاف والمجاز. ومن دون تمييز، يستخدم عقلنا كل ما هو متاح ليغطي النقطية العمياء بداخله».
وتلك مشكلة كبيرة، ليس فقط لمن يعتقدون بأن الهبوط على سطح القمر كان زيفاً، لكن بالنسبة للمستثمرين أيضا. فتغطية «النقطة العمياء في العقل دون تمييز» تتسبب في عواقب وخيمة في الأسواق. فقد يكون نقص معرفتنا بما نجهله سبباً لانحرافنا المعرفي الذي يؤدي إلى جميع أخطاء الاستثمار الأخرى التي نقع فيها. فإن الاتجاه الذي ساد خلال العقود الماضية يوحي بقوة بأن المستثمرين لم يشرعوا في فهم ذلك فحسب، بل أيضاً في تغيير سلوكهم في المقابل. وأعتقد أن إرسال تريليونات الدولارات إلى الصناديق ذات مؤشرات الأسهم المنخفضة التي تديرها مؤسسات مثل «بلاك روك إنك» و«فانغارد غروب إنك» ما هو إلا دليل على أن وعي المستثمرين بحدود إدراكهم قد ارتفع. القاعدة العامة تقول إنه كلما قلت المصروفات، تحسن الأداء على المدى البعيد. وبصفة عامة، فالاستثمار السلبي أقل تكلفة بكثير من الاستثمار النشط. كذلك أدرك المستثمرون عجزهم عن التقاط مديري المال ذوي الأداء النشط. فالأزمة المالية العالمية التي هزت العالم عام 2008 علمتنا أيضاً أن غالبية الناس لا يستطيعون توقع كيفية رد فعلهم لأوضاع السوق في المستقبل.
ويثير ذلك بعض التساؤلات التي يتعين على جميع المستثمرين أن يسألوها لأنفسهم من وقت لآخر. السؤال المهم الثاني هو «ما هو الخطأ عندي؟»، والسؤال الأهم هو «ما هو الشيء الذي لا أدرك أنني مخطئ فيه؟».
وقد لخص أوشينزي عاصفة تدويناته بأن قال: «التجارب علمتنا أن أغلب الأشياء التي نعتقد بها حالياً هي خطأ». فالاعتراف بعدم معرفة شيء ما وإدراك مدى جهلنا هو الخطوة الأولى في سبيل تجنب الثقة المفرطة وافتراض العلم بكل شيء، وهو أمر يمكن أن يدمر المستثمرين.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»