د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

ما بعد الانتخابات العربية

جرت الانتخابات الرئاسية في مصر وبعدها جرت الانتخابات في لبنان وستجري الانتخابات في العراق في الأسبوع المقبل كما جرت الانتخابات البلدية في تونس، وجاءت نتائج الانتخابات في أكثر من بلد عربي لتكرس العنصرية الدينية والمذهبية والعرقية والطائفية والجندرية إلى حد ما، ففي لبنان أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري فقدان تياره المستقبل نحو ثلث مقاعده في أول انتخابات برلمانية في لبنان منذ تسع سنوات حيث حصل الحزب على 21 مقعداً، بدلاً من 33 مقعداً في المجلس السابق، من ناحية أخرى تقدم «حزب الله» وحلفاؤه في الانتخابات بالحصول على 67 مقعداً، التي اعتمدت قانوناً انتخابياً جديداً يقوم على التمثيل النسبي وعلق زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، قائلاً: «لقد حققنا نصراً سياسياً ومعنوياً لخيار المقاومة». ماذا تعني هذه النتائج بالنسبة للبنان؟ لا يزال الحريري المرشح الأقوى لتشكيل الحكومة المقبلة، لأن نظام تقاسم السلطة في البلاد يقضي بأن رئيس الوزراء يجب أن يكون مسلماً سنياً. المحللون السياسيون يؤكدون أن الحريري سيكون في صورة أضعف بعد هذه النتائج الانتخابية، ولا سيما في مجال العلاقة مع «حزب الله» عما كان عليه في السابق.
أما العراق الذي ستجري فيه الانتخابات يوم 12 مايو (أيار) الحالي فستكون هي الانتخابات الرابعة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والثانية بعد الانسحاب الأميركي... يخوض الانتخابات العراقية 205 كيانات سياسية و27 تحالفاً انتخابياً وبلغ عدد المرشحين لهذه الانتخابات 6904 مرشحين يتنافسون على 328 مقعداً في البرلمان ووصل عدد الناخبين 24 مليون ناخب من 36 مليون نسمة من سكان العراق.
يغلب على الانتخابات القادمة الصراع بين الأحزاب الدينية، حيث انقسم حزب الدعوة الإسلامي الذي يحكم العراق منذ عام 2004 إلى حزبين أحدهما يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، بينما يقود حزب دولة القانون رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. رغم حقيقة أن غالبية العراقيين ينشدون التغيير، لكن لا حل لهم سوى الامتثال لقاعدة تداول السلطة وفق الدستور رغم كل العيوب والنواقص... هنالك شبه إجماع على رفض الطائفية والإسلام السياسي الذي لم ينتج سوى الفساد والإرهاب وانعدام تقديم أبسط الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
هناك احتمال أن يعود السياسيون السابقون إلى سدة الحكم رغم إعلان المرجع الديني علي السيستاني بأن الناس لهم مطلق الحرية في اختيار من ينتخبونه، لكنه حذر من انتخاب الفاسدين ورفض التدخل الخارجي في الانتخابات.
في تونس كانت هناك انتخابات ديمقراطية، وبالمقابل تراجعت المؤشرات الاقتصادية، مما دفع بالمواطنين للتظاهر المستمر ضد النظام... لقد جرت في تونس الانتخابات البلدية، وقد بلغت نسبة المشاركة 33 في المائة فقط، وهذه نسبة عزوف قياسية في بلد الديمقراطية فيه حديثة العهد... مما يدل على أن المسار الديمقراطي يحتاج إلى وقت طويل لكي يتعزز، ويمضي قدماً مهما كانت طبيعة المشكلات... علينا بصفتنا عرباً مؤمنين بأهمية الديمقراطية في الوطن العربي عدم اليأس من تزايد ظاهرة السلطوية والشعبوية في الوطن العربي، فالتجربة ستنضج رويداً رويداً.
تراجع الديمقراطيات أصبح ظاهرة عالمية... حتى في الدول الديمقراطية العريقة هنالك انتقادات لانتشار النزعة الفردية في الثقافة العربية؛ حيث تلاشت الفروق بين الأحزاب السياسية، وأصبحت برامجها الانتخابية متشابهة لأنها في النهاية تهدف إلى خدمة الأجندة الرأسمالية مما فرغ مفهوم الديمقراطية من معناها.
ما نتخوف منه فعلاً في الوطن العربي هو المزيد من التدهور السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مما قد يدفع ببعض الجماعات الإسلامية لاستغلال الدين والادعاء بأن سبب تدهور أوضاعنا الداخلية والخارجية يعود إلى ابتعادنا عن الدين، مما قد يخلق جماعات «جهادية» جديدة تحارب الأنظمة العربية والوجود الأجنبي في المنطقة.
من الأسباب الرئيسية التي تعرقل الانتخابات في الوطن العربي، التبني المزيف لصيغ مؤسسية للديمقراطية مثل الانتخابات والسماح للأحزاب الدينية بالعمل باسم التعددية الحزبية... على حساب المفاهيم الليبرالية للديمقراطية التي تزعم التعددية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات وترسيخ دولة القانون التي عمادها العدالة والمساواة بين المواطنين.