فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

جامعة العرب المتعافية بـ«قمة القدس»

بعد القمة العربية التاسعة والعشرين التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الظهران يومي السبت والأحد 14 و15 أبريل (نيسان)، وأثلجت تسمية الملك سلمان بن عبد العزيز لها «قمة القدس» صدور أبناء الأمتيْن، باتت الجامعة العربية في حالة من التعافي، الأمر الذي يجعل دورها في ترجمة ما انتهت إليه القمة من توصيات أكثر يسراً من ذي قبل، خصوصاً أن مرجعية جامعة العرب ستكون على مدى سنة كاملة المملكة العربية السعودية بصفتيْها: صفة رئاسة القمة، وصفة الدولة العربية الأكثر اقتداراً وحضوراً في المعادلة العربية - الإقليمية - الدولية.
وفي استطاعة الجامعة المتعافية أن تواجه المستجدات وما يليها من تداعيات على رغم ثقل المهمة، خصوصاً في ضوء إصرار الصديق الأميركي على قراره غير الواقعي في موضوع القدس.
لقد اعتدنا كعرب عندما كانت تصيبنا مصيبة، ويتعثر استنباط العلاج لمداواتها، ولا يأخذ القرار الذي يتم التوصل إليه في دورة عادية لمجلس الجامعة العربية طريقه نحو التنفيذ، أن نرمي هذه المؤسسة، التي تأسست عام 1945، باللوم ونكيل لها كل اللاذع من الكلام حول عجزها.
وعلى مدة ثمانية أمناء بقي الواقع على ما هو عليه.
افترضْنا بعد الأوضاع العربية الناشئة عن الضياع الأول لفلسطين أن الجامعة ستنفِّذ في عهد أمينها الأول عبد الرحمن عزام باشا ما اتخذتْه الدول الأعضاء في اجتماعات على مستوى الوزراء عُقدت في رحابها أو حتى في اجتماعات عادية واستثنائية للقادة من ملوك ورؤساء وشيوخ. وعند استحضار ما قررتْه القمة العربية الأولى في أنشاص يومي 28 و29 مايو (أيار) 1946 نرى أن الموضوع الفلسطيني كان الأهم، بل يجوز القول إن تلك القمة كانت من أجل فلسطين رداً على الضياع الأول لها، بدليل أن قادة ذلك الزمن خصوا فلسطين بسبعة قرارات شبه حاسمة مقابل اثنين يندرج مضمونهما في بند التمنيات، وهما «إن طرابلس الغرب قُطْر عربي جدير بأن يتمتع بالحُكْم الذاتي، وأن يتعين الحُكْم فيه بناء على استفتاء عام حر يجري في تلك البلاد» و«ضرورة العمل بكل الوسائل الممكنة لمساعدة الشعوب العربية التي لا تزال تحت الحُكْم الأجنبي لكي تنال حريتها واستقلالها وتبلغ أمانيها القومية، بحيث تصبح أعضاء فعَّالة في أسرة الجامعة العربية وفي منظمة الأمم المتحدة».
بقية القرارات الخاصة بالموضوع الفلسطيني، وعددها سبعة، تبدأ باعتبار «قضية فلسطين قلب القضايا القومية» و«إن الصهيونية خطر داهم ليس لفلسطين وحدها بل البلاد العربية والشعوب الإسلامية جميعاً» و«إن الإجحاف بحقوق عرب فلسطين عمل عدائي ضد دول الجامعة العربية» و«ضرورة مساعدة العرب في فلسطين بالمال لأغراض الدعاية وحِفْظ الأراضي بيد العرب على ألا يقل ما تتبرع به كل دولة سنوياً عن المبلغ الذي أقرت دول الأمم المتحدة دفْعه لمؤسسة الإسعاف الدولية (أونروا) أي بنسبة واحد في المائة من الدخل القومي»، وتنتهي «أجمعْنا أن ندعم عرب فلسطين ونساعدهم بكل الوسائل الممكنة إذا استمر الغزو الصهيوني لفلسطين، واضطر عرب فلسطين إلى الدفاع عن أنفسهم». وبين بداية القرارات السبعة وبين آخرها قراران برسم الولايات المتحدة وبريطانيا صدرا بالإجماع وبحرص شديد ومشروط في الوقت نفسه «على استمرار الصداقة والعلاقات الطيِّبة بيننا وبين حكومتيهما...». وأما الشرط فالتزام الدولتيْن بالحد الأدنى المقبول لحماية عروبة فلسطين وهو «إيقاف الهجرة الصهيونية إيقافاً تاماً، ومنْع تسرُّب الأراضي العربية إلى الأيادي الصهيونية بصورة تامة، والعمل على تحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن فيها حقوق جميع سكانها الشرعيين من دون تفريق بين عنصر ومذهب».
هذا كان قبل 72 سنة. قرارات صدرت مع أُولى مهمات الجامعة العربية التي اختار القادة أميناً عاماً لها عبد الرحمن عزام باشا وتلاه عبد الخالق حسونة باشا، ومِن بعدهما بات مَن يتولى وزارة الخارجية المصرية، عدا حالة استثنائية طارئة، أميناً عاماً للجامعة العربية. وتوالى على المنصب محمود رياض وعصمت عبد المجيد وعمرو موسى ونبيل العربي وأحمد أبو الغيط. ولمرة واحدة شغلت تونس المنصب في شخص الشاذلي القليبي على مدى عشر سنين، بعد تعليق عضوية مصر في الجامعة نتيجة أن الرئيس أنور السادات اختار إبرام اتفاقية سلام مع إسرائيل وبما يتناقض مع الذي قرره القادة في قمة أنشاص، واشترطوا لاستمرار العلاقة جيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا عدم ممارسة الدولتيْن في موضوع فلسطين ما يتناقض مع ما قرروه.
يوم 22 مارس (آذار) 2018 تكون مضَت على تأسيس الجامعة العربية ثلاث وسبعون سنة. وعلى مدى هذه السنوات التي عايشها جيل الأجداد ثم جيل الآباء، وها هو جيل الأحفاد يواكب شيخوختها، هنالك ما يشبه الإجماع على أن الجامعة كيان أشبه بشجرة عملاقة، لكنها لا تثمر بدليل أن الثوابت تتراجع اجتماعاً بعد اجتماع وقمة بعد قمة، كما أن القمة لا تقوى على ردْع دولة عضو عن إلحاق الأذى بدولة أو دول شقيقة، ولمصلحة الغريب الذي يريد هيمنة على أي دولة له موطئ قدم سياسي أو مذهبي فيها. بل لا تقوى على فرْض عقوبة أو حتى الأخذ بالتمني على مَن لا يتوقف عن رجْم بني قومه بالصواريخ.
رب قائل إن ميثاق الجامعة العربية لا يملك فرْض عقوبات، وأن أقصى ما يمكن أن يتخذه اجتماع وزاري عادي، أو مؤتمر قمة استثنائي، هو تعليق العلاقات مع دولة عضو خرجت على الأصول وتجاوزت بكثير في ممارساتها حتى غدا الأذى منها فواجع. ومع ذلك فإن عدم امتلاك سلطة القرار الفاعل لفرْض العقاب الزاجر لا يعني أن تستمر الأمور على ما هي عليه فلا يتدخل الجمع العربي في شخص أهل الحُكْم بكل المتيسر من الوسائل لردْع سلطة في دولة عن مواصلة ارتكاب الإثم.
في انتظار الحراك المأمول من جامعة العرب المتعافية إزاء القدس التي اختارتها «المنظمة العربية للسياحة» بعد خمسة أيام من القمة العربية في الظهران «عاصمة السياحة العربية» للعام 2018، خصوصاً قبل أن يحقق نتنياهو مأربه بحيث لا يقتصر عدد الدول التي يتكل عليها في موضوع نقْل السفارات على أربعين دولة، تحقيقاً لقوله «ها نحن اليوم نجعل إسرائيل قوة عالمية صاعدة» وإنما الإعلان عن نقْل سفارات أُخرى إلى القدس.