آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

العراق وتركيا والانتخابات الرئاسية

«هل ينقسم العراق إلى ثلاثة أجزاء؟»، تلك الجملة كانت عنوانا للمقالات في أغلب التقارير الإخبارية الأسبوع الماضي. ترجع هذه القصة، في الواقع، إلى حديث أخبر به نبينا (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من 1400 عام. وفي ضوء التطورات التي تحدث اليوم، يشاهد العالم تحققه تدريجيا.
وأود أن أركز أكثر على تقسيم يتعلق بالمنطقة الكردية، بدلا من التركيز على تقسيم يدور حول «داعش». وكما يتذكر القراء، تحدث بارزاني في كثير من الأحيان عن الاستقلال قبل أن تصبح فتوحات «داعش» على جدول الأعمال. وكان النظام الكردي العراقي غير قادر على الحصول على العائدات المقدرة بنسبة 17 في المائة من دخل نفط شمالي العراق، ولم يكن قادرا على الاتفاق مع الإدارة المركزية على نقل هذا النفط. ويسمح الدستور العراقي باستقلال المناطق التي تتمتع بحكم ذاتي عقب إجراء استفتاء، وكان يمكن بشكل أو بآخر التنبؤ بما سيختاره الشعب، الأقل رضا بنهج المالكي المتحيز.. ولكن أتى تنظيم «داعش» وتغيرت الصورة. وبمجرد أن فقدت الإدارة المركزية نفوذها، تصدر البيشمركة المشهد، وسعت حكومة بغداد إلى طلب مساعدتهم للدفاع عن البلاد، وعن حصتهم من النفط التي رفعت إلى 25 في المائة، التي لم يجر إمدادها بتلك الحصة منذ فترة طويلة. وأصبحت الإدارة الوطنية تعتمد على نظام متمتع بحكم ذاتي.
دعونا الآن نتحول إلى تركيا. كان السؤال المطروح دائما، في خضم هذه الأحداث، هو: ما الذي ستفعله تركيا إذا جرى تأسيس كردستان عراقي على حدودها الجنوبية؟
في الحقيقة تتمتع أنقرة بعلاقات تجارية وسياسية وثيقة مع الإدارة الكردية في شمال العراق منذ عام 2008. وإذا ثارت مسألة استقلال الإقليم الكردي، فهذا يعني أن نظام المالكي، الذي كان دائما يثير المشكلات التجارية بشأن مرور النفط العراقي إلى تركيا، سيختفي من الصورة. وتفسر بعض الدوائر بأن هذا الحليف السياسي والتجاري يعمل بشكل مستقل وفي الاتجاه الصحيح.
ومع ذلك، هناك أيضا جانب آيديولوجي لهذه القضية، وهو أن تأسيس دولة كردستان على الحدود الجنوبية لتركيا سيعزز، طبقا لبعض الظروف، أولئك الذين يرغبون بالنجاح في تركيا أيضا بالفكر الآيديولوجي نفسه. ومن وجهة نظرهم، يرغب الأكراد العراقيون في الانفصال عن الحكومة العراقية المركزية بسبب القمع الذي ينتهجه المالكي، غير أن الأكراد في تركيا ليس لديهم ذلك الطموح؛ إذ إنهم يدعمون السلامة الإقليمية للأراضي التركية. وهذا صحيح، ولكن يجب ألا ننسى أن حزب العمال الكردستاني أيضا فاعل في تركيا، التي تسعى إلى قمع الأكراد، مما يؤدي إلى تبني هذه الجماعة نموذج كردستان العراق لتقسيم تركيا، وكمصدر للدعم أيضا. ويجب إدراك حقيقة أن أكراد العراق هم الآن في تحالف عسكري مع حزب العمال الكردستاني نتيجة للتهديد الذي يشكله «داعش».
غير أن حدوث مثل هذا السيناريو في تركيا يعتمد على شروط معينة. وتتعلق هذه الشروط بشكل غير مباشر بالانتخابات الرئاسية المزمع إقامتها في أغسطس (آب) المقبل على النحو التالي:
الشرط الأول سيتحقق في أغسطس المقبل من هذا العام، بمجرد اختيار الشعب لرئيس جديد. يذكر أن أكبر حزبي معارضة في تركيا اصطفا معا وراء دعم مرشح مشترك، وهو أكمل الدين إحسان أوغلي المعروف جيدا لدى محللي الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. إحسان أوغلي ولد في القاهرة، وهو أستاذ جامعي، ودرس في الأزهر الشريف، وهو أول أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي ينتخب بالتصويت، وهو المنصب الذي شغله على مدى 11 عاما.
فهو شخص محترم ومثقف ومستنير. يُنتقد كثيرا لافتقاره للخلفية السياسية. هل سيكون من الصواب أن يتولى مقاليد الحكم في تركيا، التي تهاجم من جميع الجهات، شخص غير سياسي؟
وحتى الآن لم يتضح من هو مرشح الحزب الحاكم، ولكن تقول مختلف الدوائر إن النظام في تركيا سيتغير إذا جرى انتخاب هذا المرشح؛ وذلك نظرا للجدل الدائر حول التحول إلى نظام رئاسي. ويقولون بأن تركيا ستقسم إلى اتحادات، ومن ثم سيكون الرئيس المنتخب هو أعلى سلطة في البلاد، كما هي الحال في الولايات المتحدة. وإذا حدث مثل هذا التغيير، فإن تأسيس دولة كردستان العراق سيمثل تهديدا خطيرا لتركيا؛ ذلك أنه في حال تطبيق النظام الفيدرالي في تركيا، فستكون المنطقة الجنوبية الشرقية تحت سيطرة الأحزاب الموالية لحزب العمال الكردستاني، وقد تتحول السيناريوهات التي فشلت حتى الآن إلى واقع، وستصبح المنطقة جزءا من أراضي كردستان في الجنوب.
وبالتالي، فإن النظام الرئاسي سيشكل خطرا ينبغي ألا يجري إثارة الجدل بشأن تطبيقه حاليا في تركيا، في ظل اشتعال الأوضاع في دولتي الجوار سوريا والعراق، وفي الوقت الذي يتباهى فيه تنظيم «داعش» بقوله: «إننا سنقوم بالاستيلاء على إسطنبول أيضا»، وعندما تكون أوكرانيا الجارة المقابلة لنا على البحر الأسود لا تزال في حالة اضطراب، وعندما يكون البحر الأسود امتدادا مائيا محفوفا بالمخاطر، فيجب أن تظل تركيا كتلة واحدة، وأن يعهد بها إلى شخصية سياسية. قد يبدو الخيار الأكثر واقعية هو أن يستمر النظام الحالي، برئاسة عبد الله غل.
وبالعودة إلى العراق، يجب ألا ننسى أن السبب وراء البؤس الذي يعيشه العراق يرجع إلى حالات الانقسام والتفتت. ولن يخدم السعي وراء مزيد من الانقسام سوى أولئك الذين يسعون إلى ذريعة تؤدي إلى مزيد من الانقسامات الطائفية والعرقية. أولئك الذين يسعون إلى الوصول لحلول عبر الانقسام دائما مخطئون. إذا أراد العالم الإسلامي حلا لمشكلاته، فيجب أن يكون موحدا ومتحدا.