مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ألقموه حجراً أكبر من فمه

ليس على مبدأ من فمك أدينك، ولكن على مبدأ من فمك أتأسى بكلامك ومنطقك، وقد حالفني الحظ أن شاهدت واستمعت لحوار مع الشيخ الدكتور عايض القرني في موقع (MBC.NET).
وقد قال حفظه الله: إن هناك أموراً رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلها، إلاّ أنه شخصياً لا يستطيع التأسي به فيها، عازياً إلى أن الناس حينها لن يدعوه ليطبقها، بل قد يداهمون منزله ويصلون عليه الجنازة ويقومون بدفنه.
وضرب ثلاثة أمثلة لهذه الأمور، قائلاً: الأول ماذا سيقول الناس عني لو كنت إمام مسجد، وفي يوم العيد دعوت المقيمين سواء كانوا من أفريقيا أو غيرها من البلاد وأعطيتهم خناجر، وقلت لهم هذا المسجد لكم ادبكوا فيه واستمتعوا، فما الذي سيجري حينها.
وأضاف: أقول إن هذا حصل فعلاً في عهد الرسول، حيث رقص الحبشيون ودبكوا في المسجد أمامه.
وتابع: أما الموقف الثاني فتخيل مثلاً لو أنك موظف في شركة أجنبية تعمل في الرياض وفي هذه الشركة عمالة يهودية، فقمت ودعوتهم على الغداء وأكرمتهم، فماذا سيقول الناس وقتها؟
وهذا حصل أيضاً، حيث أتى اليهود للرسول - صلى الله عليه وسلم - في منزله واستقبلهم وأكرمهم.
وثالثاً: لو أني في السوق مع زوجتي وهي تتقضى، وحملت مقضاها، ثم فتحت لها باب السيارة لتركب، فماذا سيقولون عنّي؟!
رغم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في سفر وأتت عائشة لتركب فأبرك البعير ووضع ركبته الشريفة على رجل البعير، ثم أجلسها وقاده بنفسه وهو يسير على قدميه.
انتهى كلام الشيخ الدكتور وإنني بدوري أسأله: هل يتجرأ بعض مشايخنا الأفاضل مثلاً أن يسابقوا زوجاتهم جرياً، تأسياً برسول الله الذي فعل ذلك مع زوجته عائشة؟! – ويا ليتهم يفعلون ذلك.
وكذلك ما هو موقف مشايخنا، لو أن شاعراً ألقى في حضرتهم بإحدى المناسبات مثل تلك القصيدة التي ألقاها الشاعر كعب بن زهير أمامه عليه أفضل الصلاة والسلام، والتي بدأها بالغزل وأنهاها بمدحه، ومن شدة إعجابه بها خلع عليه بردته، والتي جاء في مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلاّ أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يشتكى قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
... إلى آخره.
لا شك أن بعض مشايخنا لو ألقيت على مسامعهم مثل هذه الأبيات (لبسملوا وحوقلوا)، قبل أن يؤنبوا قائلها ويخرسوه ويلقموه حجراً أكبر من فمه.