تيلر كوين
TT

محادثات كوريا الشمالية وأكثر ما يأمل فيه السياسي البراغماتي

تأكدت الأنباء أن مايك بومبيو، المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قد أجرى محادثات مباشرة مع كيم جونغ أون في كوريا الشمالية، ويبدو أن المفاوضات بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الكوري الشمالي باتت تلوح في أفق المستقبل القريب، ولذلك فإننا في حاجة لأن نطرح سؤالاً حول كيفية نجاح هذه المفاوضات على نحو فعلي.
هناك بالفعل أسباب تدعو إلى التفاؤل، ولكن ليس لأنني أرى احتمالات كبيرة في إبرام صفقة قابلة للتنفيذ مع نظام كوريا الشمالية الشمولي تقضي بالتخلي عن طموحاته النووية تماماً. بدلاً من ذلك، فإن أفضل السيناريوهات العملية تقول بأن يحاول قادة كوريا الشمالية تأمين الوجود الطبيعي لبلادهم على خريطة العالم. ومن شأن المحادثات، المساعدة على خلق أو التسريع من الوصول إلى هذه النتيجة.
وحالة التشاؤم ليست عصية على المشاهدة. فمن المعروف عن نظام كوريا الشمالية أنه كثيراً ما يدخل في المفاوضات ثم يتحول إلى الجمود المفاجئ - ثم ينتقل إلى خرق الاتفاقيات وانتهاكها - باعتباره تكتيكاً لشراء شيء من الوقت الذي يبني فيه بعض أسلحة الدمار الشامل. وهناك مخاطر حقيقية بالفعل في أنه خلال عامين من الآن، سوف يكون هناك كثير من الكلام، تكون كوريا الشمالية قد عملت على تطوير الصواريخ الباليستية فائقة الجودة والقادرة على ضرب أوروبا أو أميركا الشمالية بكل دقة.
ولذلك، إن بدأ الوقت وهو في صالح كوريا الشمالية، ولم تكن الولايات المتحدة على شفا شن الهجوم الوقائي (وأنا لا أوصي بمثل هذا الإجراء)، فما هو السبب الداعي للتفاؤل بشأن نتائج المحادثات المرتقبة؟
أولاً: لم يخضع نظام كوريا الشمالية قط للبيروقراطية بالمعنى الحديث لهذا المصطلح. وفي حين أننا لا نمتلك المعلومات الشاملة، يبدو أنه حتى وقت قريب لم يكن زعيم كوريا الشمالية قد زار العالم الخارجي ولم يستقبل كثيرا من الزيارات من رؤساء دول أخرى كذلك. وكان موقفه، وربما مزاجه، يميل إلى العزلة الشديدة. كما أنه غير محاط أيضاً بأي شيء يشبه وزارة خارجية الولايات المتحدة، أو حتى الإدارات البيروقراطية من طراز الاتحاد السوفياتي العتيق التي أشرفت على توجيه دفة السياسة الخارجية للاتحاد البائد. ومن الأرجح أن بقية أركان نظامه الحاكم على غير علم ودراية بمدى التفوق العسكري الذي حققته الولايات المتحدة، في حالة نشوب الصراع بين البلدين.
ومن خلال الاجتماع مع الزعماء الأجانب الآخرين، سوف يضطر نظام كوريا الشمالية إلى بناء العمليات الأساسية للتعامل مع بقية دول العالم، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى خلق جماعات المصالح، وتدفق سيل من المعلومات. ويستجيب الشعب الكوري الشمالي بالتفكير الشديد حول العالم الخارجي، الأمر الذي يزيد من صعوبة السيطرة عليه بوسائل الدعاية. وفي المقابل، فقد تقرر القيادة في كوريا الشمالية مواصلة جهود التحرر الاقتصادي.
ولا يحتاج المرء إلى التعويل على «فرضية نهاية التاريخ» التي بلغت ذروتها في الليبرالية والديمقراطية. والأمل الأكثر تواضعاً في هذا السياق هو أن تتحول القيادة في كوريا الشمالية إلى اللامركزية، واعتماد الأساليب الأكثر بيروقراطية، وأكثر دراسة واطلاعاً، وبالتالي أكثر صعوبة في الاندفاع وراء الإجراءات العسكرية الرعناء.
ويكمن هدف التفاعل غير المعلن عنه في تشجيع كوريا الشمالية على التطور إلى نموذج أكثر اعتيادية وأكثر قابلية للتنبؤ بردود فعله. وهذا هو التدفق الطبيعي لأغلب المؤسسات البيروقراطية، ولذلك وفي هذا الصدد، يملك المفاوض الأميركي ميزة «الوقت» في صالحه. ولسوف يتغير الكوريون الشماليون بأكثر مما تتوقع الولايات المتحدة منهم.
ثانيا: كيم جونغ أون هو من بني البشر، وعليه أن يفكر ملياً في حياته الخاصة. فهل يرغب في 40 عاماً أخرى من تصفيق المسؤولين ثم إعدامهم؟ تتلقف عناوين الأخبار في الآونة الأخيرة تيمة (كيه - بوب) في كوريا الشمالية على غرار قيام مجموعة من الفتيات (ريد فيلفيت) بأداء شخصية كيم وزوجته في عمل استعراضي أوائل أبريل (نيسان) الحالي. واتضح أن كيم من أشد المعجبين بالثقافة الشعبية في كوريا الجنوبية التي كانت محظورة تماماً ولفترة طويلة على شعبه، مع إنفاذ وحشي الطابع لمنع هذه المحظورات في البلاد.
ومن الإشارات الجيدة الأخرى أن الرئيس الصيني قد تعهد بزيارة بيونغ يانغ لإجراء المزيد من المحادثات مع الرئيس كيم. وبالإضافة إلى هذه الاتصالات السياسية المباشرة، قام كيم بزيارة مركز (تشونغ غوان كون) للتكنولوجيا الصينية، حيث حاز كثيرا من الاهتمام وحاول تجربة بعض أدوات الواقع الافتراضي بنفسه.
ربما يفضل هذا الزعيم على نحو شخصي المزيد من التبادل الثقافي والاقتصادي مع كوريا الجنوبية والصين والغرب.
ومع اعتبار أن الرئيس كيم تلقى تعليمه في سويسرا (وربما عبر بعض الحدود الأخرى مختفياً)، فإنه ليس غريباً تماماً على السفر والعلاقات الخارجية، ولكنها المرة الأولى التي يستمتع فيها بامتيازات القادة في الخارج أو في استقبال الزعماء الآخرين في بلاده. ألا يعد ذلك أمراً ممتازاً وأكثر مدعاة للاستقرار من ذلك البلد المنعزل الذي يحكمه؟ دعونا نأمل في أن يعتبره كيم كذلك. ولنفكر في أي محادثات دبلوماسية مع كوريا الشمالية كمثل العرض المسرحي الكبير، غير المصمم لخداع الرجل وإنما لتعليمه أن المسرح الدولي في حد ذاته قد يكون ممتعا.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»