محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

ومن الترجمة ما قتل!

يزخر التاريخ بحوادث دفع أطرافها الثمن غالياً بسبب سوء الترجمة أو فهمها، ومنها ما ذكره القيادي المحنك علي النعيمي، أول رئيس سعودي لشركة «أرامكو»، في كتابه، من أن اليابانيين «أفلتت من بين أيديهم مليارات الدولارات من عائدات النفط، بسبب سوء فهم ثقافي»، في إشارة إلى أن رئيس الوزراء الياباني حينما تحدث مع الملك فهد، ظن بأنه قد نال موافقة الملك على منحهم امتيازاً جديداً لشركة النفط العربية، بعد سماع كلمة «إن شاء الله»، وهو تعبير دارج يستخدمه العرب ولا يعني موافقة نهائية. مرت الأيام ولم يستأنف اليابانيون المفاوضات بجدية كما ذكر النعيمي في كتابه الجميل «من البادية إلى عالم النفط»، الذي كتبه بأسلوب أدبي رشيق، أرخ فيه سيرته الحافلة.
وذكر أمثلة أخرى أسهمت الترجمة في «فركشة» مشروعات مختلفة، الأمر الذي اضطره للاستعانة بطالب سعودي يجيد اليابانية، ويصغي سراً لما يقوله اليابانيون فيما بينهم أثناء المفاوضات العسيرة معهم.
ويا لها من مصادفة، أن أحد أشهر أخطاء الترجمة قد وقع أيضاً في اليابان؛ لكن هذه المرة كان وراءه فاجعة إلقاء أميركا للقنبلة الذرية على هيروشيما، بحسب ما روي عن وثائق نشرتها وكالة الأمن القومي الأميركية. فتلك الحادثة لم يخلُ منها فيلم وثائقي، إذ أودت بحياة 70 ألفاً، وتأثر نحو 100 ألف من تداعيات حرائق وإشعاعات أول قنبلة من نوعها في التاريخ. فحينما سأل الصحافيون رئيس الوزراء الياباني كانتارو سوزوكي عن رأيه في بيان التحالف عام 1945، الذي كان من بينه الاستسلام غير المشروط، وأن أي رد سلبي من اليابان قد يجلب دماراً فورياً إليها، قال: «موكوساتسو»، وهي كلمة مشتقة من «صمت»، وكان يقصد: «لا تعليق»، إلا أن وكالات الأنباء العالمية نقلت بأنه قال: البيان «لا يستحق الرد»، الأمر الذي استفز أميركا على ما يبدو. لا شك أن ذلك ليس السبب الوحيد؛ لكن كانت فرصة أخيرة لتجنب المأساة.
ومما يذكر أيضاً في سوء فهم الترجمات، ذلك الشخص الذي ترجم رسالة وجهت للبيت الأبيض تبدأ بعبارة: «الحكومة الفرنسية تطلب»، بدلاً من: «تسأل»، فاعتبرها الرئيس الأميركي قائمة من المطالبات، الأمر الذي استدعى تعديلها قبل استئناف المفاوضات.
أما أبرز القصص في منطقتنا، فتتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 242 عام 1967، حول الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة في شهر يونيو (حزيران)، فالترجمة الفرنسية كانت: «انسحاب إسرائيل من أراضٍ عربية» من دون الألف واللام، وهو ما جعله ذريعة لإسرائيل التي قالت إن الانسحاب المقصود من «بعض» الأراضي وليس كلها.
نتعلم من هذه الحوادث، أن الناس، وبالأخص القادة، يجب ألا يتسرعوا في الحكم أو التعليق أو القرار، قبل التأكد مما تناهى إلى أسماعهم من لغات أخرى، خصوصاً إذا كان أمراً سيترتب عليه خسائر فادحة. ولذا قالت العرب: «في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة».

[email protected]