خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الحيوان يعلم الإنسان

كثير هو ما تعلمه الإنسان من الحيوانات من حكم وطرائف ومواعظ وأمثال. «وليمة الواوي واللقلق» مثل من الأمثال الشعبية التي اشتقت على لسان الحيوانات. ومثلها ما ازدحمت به أساطير «كليلة ودمنة». ونجد فيها الثعلب يلعب دوراً كبيراً، كما في الفولكلور الشعبي. فهو الحيوان الماكر الذكي الذي يكسب قوته بذكائه. وشاع ذلك عن أي إنسان ينال ما يريد بلوذعيته. أطلقوا ذلك في الحرب العظمى على لويد جورج، رئيس الحكومة البريطانية، وكذلك جورج كليمانصو، رئيس الحكومة الفرنسية.
وفي الحرب العالمية الثانية أطلقوا ذلك على ونستون تشرشل «الثعلب العجوز». كما أطلق الحلفاء على المارشال رومل «ثعلب الصحراء»، وكله من الواوي (الثعلب).
وتتردد في الأدب العربي أمثلة وأشعار كثيرة على هذا السياق، منها قول الشاعر:

أربٌّ يبول الثعلبان برأسه
لقد ذل من بالت عليه الثعالب

يقول الإنجليز: «تصرف كالثعلب عندما تجد نفسك بين الثعالب». ولا عجب أن درجنا على تسمية الإنجليز الثعالب. ويقول الكاتب الألماني لسنغ: «يشعر الأسد بالخجل عندما يخرج للصيد مع الثعلب! ولكن ليس خجلاً من الحيل وإنما من الثعالب».
ومن أشعار الشاعر والفنان الإنجليزي الرمزي وليم بليك: «الثعلب يذم المصيدة ولا يذم نفسه».
بيد أن القول الذي يعجبني بصورة خاصة، وردنا عن بجريس: «يعرف الثعلب حيلاً كثيرة ولكن حيلة القنفذ أعظم منها جميعاً». إنه قول يوصي باتقاء الشر دون ارتكابه، وبالدفاع عن النفس دون العدوان على الغير.
بالطبع وردت حكايات كثيرة عن الثعلب، ابن آوى في كتاب كليلة ودمنة، حيث يلعب فيها ابن آوى دور بطل الحكاية، ويقوم بأفعاله الشهيرة اللوذعية. أما القول الشعبي: «عزيمة الواوي واللقلق» فالعجب فيها أن اللقلق، وهو من صنف الطيور الكبيرة المهاجرة، يغلب الثعلب في الحيلة. أما كيف كان ذلك، فيقول صاحب الحكاية، إن الثعلب التقى باللقلق فدعاه إلى وليمة وقدم له فيها لحماً وعظاماً في طبق، فلم يعرف اللقلق كيف يأكل أي شيء من ذلك، ولكنه بما عرف عن اللقالق من حسن الأدب شكر الثعلب على وليمته، ولكنه تفضل بالرد على دعوته بزيارته في بيته وتناول الغداء معه.
حضر الثعلب متلهفاً إلى الأكلة، فوجد الطعام جريشاً موضوعاً في قارورة طويلة العنق. راح اللقلق يمد منقاره الطويل فيها ويلتقط الطعام بأناة. والثعلب يدور حوله دون أن يعرف كيف يأكل وماذا يأكل. سميت الوليمة «عزيمة اللقلق والواوي». ويضرب القول مثلاً عن عدم تكافؤ طرفين في المؤهلات عند المواجهة والنزال، تماماً مثلما حدث مؤخراً للأكراد حيال إيران، وفي مقاربة أخرى، وإن فات عليها الزمن، مثل ياسر عرفات ونتنياهو.