حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

البحرين: معرض كتاب وقلعة

بعيداً عن السياسة، وبعيداً عن الاقتصاد، أحرص وبقدر المستطاع على زيارة معارض الكتاب في العالم العربي، وأعرف تماماً معاناة الكتاب وتحديات دور النشر في التعامل مع متغيرات وعادات القراءة في زمن متحول. ولذلك بات على كل معرض كتاب أن يقدم نفسه بشكل «مختلف» و«جذاب» للاستحواذ على اهتمام القراء والزوار.
هناك فارق كبير بين من يقدم معرض الكتاب على أنه فرصة لبيع وتصريف أكبر قدر من نسخ الكتب، ومن يقدم المعرض على أنه مناسبة ثقافية متكاملة، تجمع بين عرض الكتب وبيعها وفعاليات تناسب الحدث الفريد وتواكبه. ومن الناحية الكمية والعددية فهناك معارض كثيرة للكتاب في العالم العربي، بل إن بعض الدول تعقد أكثر من معرض واحد في العام نفسه، ومعظمها فيها الكثير من النسخ والتكرار والتقليد الصريح؛ فمنها ما يركز على الحجم لقصد الإبهار، ومنها من يركز على «القاعة» لأجل الغرض نفسه.
ايضاً معظم المعارض تقام بشكل «ممل» و«مكرر»؛ قاعات صماء وأجنحة نمطية متشابهة، وبذلك تتشابه كل المعارض مع بعضها البعض، ولذلك كم كانت مفاجأة سارة إطلاق هيئة البحرين للثقافة والآثار معرض البحرين الدولي الـ18 للكتاب في خيمة بديعة مصممة بشكل جمالي خلاب وأخاذ، بجوار قلعة عراد التاريخية الأثرية، أحد أهم مواقع التراث العالمي في منطقة الخليج العربي، وليكون بذلك موقع المناسبة لا يقل أهمية عن الحدث نفسه. إنها عبقرية اختيار المكان. القراءة بالإضافة لأنها غذاء للروح، أضاف منظمو معرض البحرين للكتاب بذكاء للتجربة فكرة أن مناسبة القراءة ممكن أن تكون أيضاً متعة للحواس، وخصوصاً التأمل بجمال النظر إلى موقع جميل فيه ملامح الأصالة والتاريخ والفنون.
المعرض يستضيف أكثر من 400 دار نشر متنوعة جاءت من أكثر من 26 دولة حول العالم وضيفة الشرف للمعرض هذا العام هي المملكة العربية السعودية. وقد صمم المعرض بطريقة أنيقة وسلسة تتيح للزائر الاستمتاع بالتجربة من دون مضايقة، روعي فيها أن يكون لكل مناسبة من مناسبات المعرض وقتها ومكانها من دون إزعاج. وهذه الجزئية تحديداً راعت الجانب الحضاري المطلوب أن يصاحب مناسبة ثقافية من هذا النوع الخاص، وتحديداً هذه نقطة لافتة مع التحول الحزين، الذي حوّل بعض معارض الكتاب حول العالم العربي إلى ما يشبه أسواق الجملة تقدم الكتب كسلع هي أشبه بالخضرة والسمك.
من أهم أحداث المعرض هذا العام هو تدشين كتاب «دلمون مملكة البحرين» باللغة العربية للكاتب والمؤلف الفرنسي العالم المعروف جيلبير سينويه، والمعروف برواياته التاريخية عن حضارات العالم المختلفة، علما بأن الكتاب نفسه سيصدر باللغتين الإنجليزية والفرنسية أيضاً.
المعرض يمثل «نسمة هواء نقية» وسط تلوث وضوضاء وإزعاج وضجيج صم الآذان، وأزكم الأنوف حول العالم العربي، مع ضرورة الإشارة إلى أن المعرض لم يفته تقديم برنامج فيه محاضرات وندوات ثقافية وتكريم شخصيات، بالإضافة إلى مناسبات فنية وعروض موسيقية وجناح للأطفال مصمم بشكل ذكي وإنساني.
اختيار قلعة عراد والخيمة التراثية العصرية المجاورة لها لأن يكون موقعاً لمعرض الكتاب هو أسلوب ذكي وغير تقليدي وكسر للرتابة والتفكير خارج الصندوق للتعامل مع مناسبة تقليدية. وهذه النوعية من الأفكار هي التي تميز أصحابها وتبرزهم على السطح أكثر من غيرهم.
سقف الإبداع والتميز لا حدود له، وتبقى القدرة على تنفيذها هي التي تصنع الفرق بين من ينظّر وبين من ينفذ.