إميل أمين
كاتب مصري
TT

في دلالات تصويت مجلس الشيوخ الأميركي

لماذا صوّت مجلس الشيوخ الأميركي الأيام القليلة الماضية، بأغلبية، ضد تشريع ينهي الدعم الأميركي للحملة السعودية في اليمن؟
المعروف أن هناك بنداً في قانون سلطات الحرب لعام 1973، يسمح لأي سيناتور بطرح قرار حول سحب القوات المسلحة الأميركية من أي صراعات حول العالم، إذا كانت لم تحصل على تفويض من الكونغرس للمشاركة فيه.
يأتي القرار بداية كنوع من الانتصار الأدبي للمملكة، وللتحالف العربي، وكشكل من أشكال تعضيد الجهود الساعية لقطع الطريق على محاولات إيران التي لا تنتهي، لبسط سيطرتها في المنطقة عبر حلفائها وأذرعها من الميليشيات المختلفة أسماؤها، ومن جهة أخرى يدرك الأميركيون أن التزامهم بدعم المملكة هو نوع من حماية مصالحهم مع أهم حليف لهم، عبر ثلاثة أرباع قرن.
تصويت مجلس الشيوخ الأخير وقف وراءه - ولا شك - وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بقوة، وهو جنرال النجوم الأربع، والخبير في شأن منطقة الخليج العربي، حيث شارك لفترة طويلة في أعمال بلاده في العراق، وهناك أدرك قدر الاختراق الإيراني للعراق، ولهذا فإن نداءه الشخصي للكونغرس الذي أسفر عن الرفض، إنما كان منطلقه فهماً واضحاً؛ لأن أي تخاذل من الجانب الأميركي يعني بوضوح تام أنه يشجع إيران على زيادة دعمها للحوثيين، وكلاء إيران الواضحين غير المستترين، ما يعني المزيد من الهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية من ناحية، ومن جهة ثانية المزيد من التهديدات للممرات البحرية الحيوية جداً في البحر الأحمر، وربما تهديد حركة تدفق النفط العالمي، ما يعني توسيع رقعة الصراع الإقليمي في المنطقة.
أمر غاية في الأهمية تنبغي الإشارة إليه والإشادة به، وهو أن الأميركيين لا يحاربون عوضاً عن أصحاب المصلحة الأصلية من أبناء الخليج العربي، في مواجهة دسائس إيران ومكرها. فقد آمن أعضاء التحالف العربي بأن هذه هي مواجهتهم، وأن الآخرين لن يقوموا بواجب الشرف دفاعاً عن الأرض والأرواح والممتلكات، ولهذا بادروا في لحظة تاريخية، انطلاقاً من الذات، ودون تعويل على الآخرين، أميركيين كانوا أو أوروبيين، أو غيرهم من قوى المجتمع الدولي. وجل الدعم الذي حاول السيناتور اليساري بيرني ساندرز تقديمه، لا يتجاوز مساعدات غير عسكرية، مثل إرشاد القوات الجوية للتحالف إلى تبني طرق للقصف، وأشياء من هذا القبيل.
التصويت الأخير لمجلس الشيوخ يؤكد أن واشنطن تنظر بعين الجدية المطلقة للشراكة الاستراتيجية مع الرياض، وكيف أن الأمر حيوي وجوهري بالنسبة إليها، أن تظهر للعالم وفاء وولاء واشنطن لحلفائها، سيما أنها قد خسرت الكثير من المصداقية والموثوقية في أوان باراك أوباما، الذي ضحى على مذبح البراغماتية غير المستنيرة، بحلفاء ساندوا واشنطن لأكثر من ثلاثة عقود ونيف.
المتابع لمآلات الشأن الإيراني في الداخل الأميركي، يستطيع أن يرصد وبعين لا تقبل الشك، الفهم الواعي لإيران، وأبعاد أدوارها المؤامراتية الخبيثة في المنطقة؛ فهي دولة راعية للإرهاب، وتعمل على زعزعة الاستقرار في سوريا واليمن والعراق، ما يعني ضرب الاستقرار في المنطقة في مقتل، والعهدة هنا على الراوي الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل، قائد المنطقة المركزية الأميركية، خلال جلسة استماع في الكونغرس، بشأن إيران والإرهاب وسياسات الدفاع.
يمتد الكشف عن مؤامرات إيران إلى كبار الأكاديميين والكتّاب الأميركيين، ولا يتوقف المشهد فقط عند حدود العسكريين، ومن ذلك ما سطره قبل أيام الباحث السياسي الأميركي مايكل روبن، في مقال له عبر مجلة «واشنطن إكزامينر» الأميركية، أماط فيه اللثام عن النوايا التوسعية الإيرانية في منطقة الخليج العربي، سيما بعد تعميق حضورها في سوريا والعراق واليمن.
روبن يمثل طبقة رفيعة من الإنتلجنسيا الأميركية، التي تصب جام غضبها اليوم على الاتفاق النووي الإيراني مع دول «خمسة زائد واحد»، الذي عبّد لها الطريق واسعاً عريضاً ومريحاً، لتمارس دور صانع المشكلات، وها هي تضع أعينها من جديد على البحرين التي تضبط يوماً تلو الآخر شحنات من الأسلحة التي يقوم الحرس الثوري الإيراني بإرسالها إلى وكلائه داخل البحرين، بغرض استهداف مسؤولين بحرينيين، ورجال أمن، ومنشآت نفطية حيوية، من أجل زعزعة الأمن العام، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الوطني.
الذين رفضوا وقف الدعم الأميركي للمملكة العربية السعودية، ولقوات التحالف العربي، في مواجهتهم لإيران، ربما وضعوا على طاولة التصويت آخر التصريحات الإيرانية بشأن برنامجها الصاروخي، التي أدلى بها قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري أمير علي حاجي زاده في السادس من مارس (آذار) الجاري، وقال فيها إن «إيران تعتبر ضمن الدول الخمس الرائدة في مجال الصواريخ، والدفاع العسكري، والرادارات، والقنابل، والطائرات المسيرة على مستوى العالم».
لم يكن لمجلس الشيوخ الأميركي أن يخذل حلفاءه الموثوقين التاريخيين، وهو يرى المكايدات السياسية الروسية الدولية؛ لا سيما داخل مجلس الأمن من قبل روسيا التي استخدمت حق النقض في منع صدور قرار يدين إيران، بسبب انتهاكها للحظر المفروض على السلاح إلى حركة «أنصار الله الحوثية»، وكأن أمن الخليج العربي وأمانه مباراة شطرنج على رقعة دولية ملتهبة ومضطربة.
الخلاصة... على الباغي الإيراني تدور الدوائر.