ليونيد بيرشيدسكي
TT

«بريكست» وأثره على بريطانيا وأوروبا

كثيرة كانت عمليات التقييم التي جرت لتقدير تكلفة الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست» بالنسبة لبريطانيا، لكنها كانت أقل بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وظهرت الحسابات بالتدريج على السطح لتبين أن التكلفة تمثل خطراً كبيراً على أوروبا، وأن هذا ما يفسر الموقف التفاوضي الأقوى للاتحاد الأوروبي.
نشرت مؤسسة «أوليفر ويمان» الإدارية والاستشارية ومقرها نيويورك مؤخراً، وكذلك مؤسسة «كليوفورد تشانس» اللندنية تقريراً واقعياً عن «التكاليف الرسمية» لما لعدم الاتفاق بشأن البقاء في الاتحاد الأوروبي. فقد نظرت التقارير إلى الخسائر التي سيتكبدها المستوردون والمصدرون جراء التكلفة الإضافية، لكن من دون أي تأثيرات اقتصادية غير مباشرة على المؤسسات تحت سلاسل التوريد الموجودة.
ما هو استنتاجهم إذن؟ إن التكلفة السنوية المباشرة للانتقال إلى قواعد «منظمة التجارة العالمية» - بدلاً من اتفاقية بديلة - تقدر بنحو 27 مليار جنيه إسترليني للملكة المتحدة و31 مليار جنيه إسترليني للاتحاد الأوروبي. يمثل هذا المبلغ 0.4 في المائة من إجمالي القيمة المضافة (وهي القيمة التي تضيف دعماً لمخرجات الاقتصاد ثم تقوم بخصم الضرائب) للمملكة المتحدة. الخسارة ثنائية، لكنها أسوأ أربع مرات بالنسبة للملكة المتحدة بالنظر إلى الحجم الهائل للاتحاد الأوروبي.
وأثارت دراسة أعهدها معهد «أكسفورد أكونوميكس» الهلع بتوقع معاناة المملكة المتحدة أكثر من الاتحاد الأوروبي على الرغم من تزايد الأرقام بإضافة تكاليف غير مباشرة. وبحلول عام 2020، قدرت الدراسة خسارة 112 مليار يورو (137 مليار دولار) للاتحاد الأوروبي، و125 مليار جنيه إسترليني (174 مليار دولار) للمملكة المتحدة. لكن نسبة ضئيلة من ذلك - 50 مليار يورو - هي الخسائر التي سيتحملها الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020، وهي ما تمثل التكاليف المباشرة للمصدرين والمستوردين.
في كلا الدراستين، تبدو ميزة الاتحاد الأوروبي قوية، غير أنها ضعفت قليلاً نتيجة للانتشار الجغرافي والمناطقي غير المتعادل للتكاليف. وبحسب التقرير الذي أعدته مؤسستا «أويفر وايمان» و«كليفورد تشنس»، ستتلقى ألمانيا الضربة الأكبر. فولاياتها الأربع القوية اقتصاديا - بافاريا، وبادين ورتمبرف، وشمال راين وسيتفاليا، وساكسونيا السفلى - تمتص 70 في المائة من الخسارة بحسب الدراسة. ويرجع ذلك إلى قوة صادراتهم في صناعة السيارات وفي غيرها من الصناعات.
ومن خلال الاتحاد الأوروبي، هناك خمسة قطاعات وهي السيارات والغذاء والزراعة والصناعة والكيماويات والسلع الاستهلاكية جميعها تمثل 70 في المائة من التكلفة. ولا عجب في أن المفاوضين البريطانيين بدأوا في الحديث إلى صناع القرار في دول محددة، وليس في الدول التي تمثل الاتحاد الأوروبي. فبعض مناطق أوروبا تتمتع بحوافز لعقد الصفقات أكثر من غيرها.
تكمن مشكلة تلك الاستراتيجية في أن القطاعات المتأثرة تسكنها شركات كبيرة. ومع مرور الوقت ستكون قادرة على تخفيف الخسارة. فصناعة السيارات ومؤسسات الطيران والفضاء، وهي المتوقع أن تتلقى الضربة الأسوأ، تتمتع أيضاً بأفضل الفرص لتقليص التكلفة «الرسمية». على سبيل المثال، بإمكانهم تحويل الفرص إلى «الموردين المحليين أو في بعض الحالات تغيير مواقع التجميع النهائي».
وكلما استغرق إتمام الـ«بريكست» وإنجاز صفقة تجارية جديدة وقتاً أفضل، كلما كان استعداد تلك المؤسسات أفضل وكلما كانت الخسائر الفعلية التي سيتحملونها أقل. ويوضح ذلك السبب في أن الاتحاد الأوروبي لا يتعجل تلك الخطوة وفي أنه من غير المجدي للملكة المتحدة اختبار وحدة الاتحاد الأوروبي. فأصحاب الأعمال المهمون يعملون في مساراتهم الخاصة، وسوف يحتاجون إلى سنوات قليلة ليوفقوا أوضاعهم مع عالم ما بعد «بريكست»، لكن التكلفة ستكون متناهية الصغر.
فقط المؤسسات الصغيرة هي التي ستجد صعوبة في التأقلم، وسيفشل بعضها في تحقيق ذلك. لكن لأوروبا أيضاً ميزة هنا بفضل حجمها الكبير. وإذا كان التقرير الصادر مؤخراً صحيحاً في أن التأثيرات ستكون محصورة في بعض الصناعات والمناطق القليلة، فإن أوروبا بها كثير من المناطق التي قد ينتشر فيها الألم. والتأثير الإجمالي على الاقتصادات القومية سيكون محدوداً أكثر في أوروبا مقارنة بالمملكة المتحدة.
وبحسب مؤسستي «أويفر ويمان»، و«كليفورد تشانس»، فإن الاتفاق التجاري القريب من الاتفاق الحالي سيقلل من التكلفة على الجانبين بدرجة كبيرة. لكن من الواضح أن المملكة المتحدة ليست حريصة على هذا الرأي. ومن المرجح بدرجة كبيرة أيضاً أن الجانبين سيواجهان تأثيرات اقتصادية مؤلمة وأن مؤسساتهما الكبرى ستمتص الوطأة. وفي أفضل السيناريوهات المتوقعة، لن يكون الأمر بتلك الروعة، لكن هذا أفضل ما يتمنونه طالما أن المملكة المتحدة مصرة على جرح نفسها أكثر من جرح شريكها السابق، الاتحاد الأوروبي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»