فريد هيات
TT

العراق.. خيارات بغيضة

بينما بدا أن الشرق الأوسط يتكشف الأسبوع الماضي، تركز معظم جدال لعبة اللوم على ما إذا كان بوسع الرئيس أوباما وما إذا كان يجب عليه الإبقاء على قوات أميركية في العراق بعد عام 2011. ذلك سؤال مهم، لكنه جزء من جدال أكبر بكثير، جدال له عواقب مرعبة للأميركان.
انقسم مستشارو الرئيس أوباما طوال فترته الرئاسية الأولى إلى فريقين حول كيفية مكافحة إرهاب الإسلاميين: من يؤمنون بلعب دور نشط، وكانت تساندهم عادة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومن يؤمنون بلعب دور في الحد الأدنى، وكان يساندهم نائب الرئيس بايدن. وكسب المؤمنون بلعب دور نشط بعض الجولات المبكرة، وخاصة إقناع أوباما بالاستثمار بقوة في مساعدة أفغانستان على التنمية والدفاع عن نفسها. ولكن بمرور الوقت مال أوباما إلى جانب المؤمنين بلعب دور في الحد الأدنى من التدخل وكون فريقًا للفترة الرئاسية الثانية لا يعيد قراراته للتشريع.
ولا عجب: كان للمؤمنين بلعب دور في الحد الأدنى الكثير من المنطق السليم في جانبهم. قالوا إن المستقبل في شرق آسيا، وسيكون للصين شأن كبير خلال العقود المقبلة، أما اليمن وأفغانستان والصومال، فبالكاد تشكل أهمية. وليس هناك معنى لأن تغوص الولايات المتحدة في وحل ضغائن امتدت عبر الألفية بين المسلمين السنة والشيعة.
وحتى لو أردنا أن ننحاز أو نساعد اليمن دعنا نقل حتى تكون دولة حديثة، فإن الجدال يتواصل، ولا نعرف حقًا كيف، فلسنا جيدين في بناء الأمم، دعهم يدبروا أمرهم. أما بالنسبة للمتطرفين الإسلاميين الذين يهددون الولايات المتحدة، فنستطيع مكافحتهم من البعد - عن طريق ضربات طائرات «درون» بالشراكة مع المحليين الذين يقومون بالقتال بدلًا عنا.
وضع أوباما سياساته على أسس معينة تبدأ بالانسحاب الكامل من العراق. ويقول البعض إنه لم يكن له خيار لأن العراق لن يمنح حصانة قانونية للجنود الأميركان. وأعتقد أن أوباما كان يريد حقًا اتفاقا، وكان راغبًا في تقديم أكثر من بضعة آلاف من الجنود، وكان يمكنه التفاوض حول ذلك. ما لا يجادل فيه أحد هو أن أوباما كان راضيًا عن خيار الصفر والدم حول إمكانيات العراق حتى دون القوة الأميركية. وكسب الحد الأدنى من التدخل عندما رفض أوباما بعد انضمامه لحملة القصف للإطاحة بديكتاتور ليبيا مساعدة الحكومة الجديدة على حفظ السلام. ومرة أخرى عندما رفض نصيحة مساعديه بدعم المعارضين المعتدلين في سوريا، وأخيرًا عندما أعلن سياسة لأفغانستان متطابقة مع سياسة العراق: خروج جميع القوات خلال سنتين ما عدا وجود لقوة داخل السفارة الأميركية. تمنيت لو نجحت تلك السياسات، فمن لا يفضل إنفاق تلك الأموال على «بناء الأمة في الوطن»، كما وعد أوباما، أو المساعدة في بناء مستقبل ذهبي للمحيط الهادي؟
للأسف، اتضح أن الانسحاب لا ينجح. وأججت سياسة «درون» أولاً الشعور ضد الأميركان من باكستان إلى اليمن. أما ليبيا فهي على شفا الحرب الأهلية، وأصبحت سوريا أكبر أزمة كارثية إنسانية رآها أي منا خلال جيله، كما قال سفير أوباما لدى الأمم المتحدة. الآن يتمزق العراق. بالطبع كما كتب الكثير من المعلقين يقع اللوم على الساسة العراقيين. ولكن إن كانت الولايات المتحدة حافظت على وجود في العراق فربما كانت ساعدت على توجيه السياسة العراقية في اتجاه بناء أكثر.
إذا كانت المسألة في ليبيا وسوريا والعراق كوارث تتعلق بحقوق الإنسان فقط - كما هي بالتأكيد كذلك في كل واحدة - فإن حجة المؤمنين بلعب دور في الحد الأدنى قد تبقى قوية. سيقولون إن أشياء فظيعة تحدث في أماكن كثيرة وليس بوسع الأميركان إصلاح كل ذلك.
لكن ما يتكشف يهدد الولايات المتحدة أيضًا، فإن ديكتاتورية لا تعرف الرحمة من ديكتاتوريات العصور الوسطى تحكم في أراضٍ تمتد من سوريا إلى العراق تستدرج وتدرب المتطرفين الإسلاميين، بمن فيهم أولئك القادمون من الولايات المتحدة وأوروبا، والذين «يمكن أن يصبحوا تهديدًا كبيرًا على وطننا»، كما أقر أوباما بذلك الخميس الماضي. ولذلك كان عليه أن يرجع إلى العراق ليواجه لا شيء سوى خيارات بغيضة.
إن لم ينجح لعب دور في الحد الأدنى فماذا سينجح؟ سيختلف الجواب في كل حالة. ولن يكون الجواب بصورة عامة هو إرسال قوات المارينز. لكنه سيعتمد على الدروس التي تعلمها البلد منذ عام 2001: المناطق التي تنعدم فيها الدولة ولا تخضع لحكم يمكن أن تكون خطرة على الولايات المتحدة. وتجاهل الأخطار لا يجعلها تذهب. إن أردنا أن تساعدنا البلدان، بما في ذلك المساعدة على مكافحة الإرهاب، فعلينا مساعدة تلك البلدان أيضا بالتدريب والمساعدات التي تحسن حياة الشعب.
صحيح أن مساعدة الدول على بناء مقدراتها على الحكم صعبة وتحتاج لوقت طويل ولا تنجح دائمًا. لكن وعلى مرّ الأعوام ساعدت الولايات المتحدة بلدانا كثرا وبطرق أكثر مما يعتقد الكثير من الأميركان، بما في ذلك بالتزام أوباما أفغانستان. القيام بدور صعب، ولكن يمكن أن ينجح بمرور الوقت. وهو أكثر مما يستطيع الفريق الآخر قوله.
خدمة «واشنطن بوست»