حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

بين الثقافة والتسلية!

أحب المناسبات الثقافية وأتابع أحداثها باستمرار، وأكون تواقاً لاستكشاف أخبارها ومتابعة الجديد فيها. وأؤمن وأعتقد جداً بأن الثقافة الحقيقية تشكل ضمير الأمم ووجدانها، وترقي الشعوب، وتهذب أذواقهم. ومن أهم الأمثلة للتأكيد على دلالة ما أقول ما كان يقدمه مسرح الرحابنة في لبنان، وكيف تمكن من تصوير القرية أو الضيعة اللبنانية كمثل وهدف يحلم به كل لبناني؛ وطن يتسع للجميع، فكان بالتالي خيال المبدع المثقف سباقاً للسياسي وملهماً للشعب في آن واحد. ولكن الثقافة إذا كانت بلا إيمان حقيقي بمحتوى ورسالة ما يقدم، فإن المشروع يتحول إلى نفاق بحت ومادة مسلية.
الثقافة إذا لم تحقق مفهوماً جميلاً للمساواة وحسن الظن بين الناس ومنح الفرص بجدارة دون أحكام مسبقة، ستكون مشروعاً قبيحاً يغطيه قناع مزيف وجميل.
في خضم المصطلحات المتضاربة التي حلت علينا في العالم العربي تجد أن مصطلح «الربيع» أصابته عدوى وفيروس تلوث الكلمة، فبعد أن كان كلمة تعني الجمال والأمل، ووظف لوصف بدايات وتحولات جميلة في حياة الناس، وتغنى به المطربون والنجوم من فريد الأطرش إلى سعاد حسني، تحول مع أحداث الربيع العربي إلى كابوس ودمار وقتل وتجويع وتشرد وكذب وخداع.
ومن القلة القليلة الباقية على جمال الكلمة بمعناها القديم «مهرجان ربيع الثقافة» في البحرين، الذي يعود بدورة جديدة لبناء الجسور مع حضارات العالم بشكل جمالي ومحترم. وهذه السنة حضرت إحدى فعالياته، وكنت أتبادل أطراف الحديثة مع دبلوماسي فرنسي ومصرفي بريطاني من أصول عربية، وفوجئت بالسؤال القنبلة يلقى في وجهي؛ قال لي الفرنسي بكل هدوء: نحن نأتي من دولة تقدس الثقافة وتعدها جزءاً من الحياة مثلها مثل الماء والدواء، ولا بد أن تنعكس رسالتها على القضاء والعدالة والتعليم وتحقيق المساواة بين الناس، فهل أنتم في العالم العربي تقدمون الثقافة بجرعاتها وأشكالها المختلفة للغرض نفسه؛ أم إنها فقط من باب التسلية وتغيير الجو؟ وقالها بالعربية. تمعنت في سؤاله جيداً، وتأملت ما به بتمعن؛ هل فعلاً ما يتم تقديمه من مشروعات وأهداف ثقافية يعكس التوجه الحقيقي لمن يفهم ذلك، أم إن هناك لدى البعض تزويقاً وتنميقاً لمصالح شخصية ومصالح عامة الغرض منها تحسين الشكل العام والمنظر؟
المثقفون في العالم العربي يبدو أن دورهم إلى انحسار، مع شديد الأسف، وعليهم أن يواجهوا سؤالاً أو طرحاً ثقيلاً؛ وهو ما قاله ديبريه صديق تشي غيفارا الثوري الأرجنتيني المعروف، عندما وصف المثقفين في نوبة حادة وقاسية جداً... قال فيهم: «إنهم قوم ضرب الشيب مفرقهم، وفقدوا دورهم التنويري النبيل، وأصبحوا أشبه بقلة من البشر فقدت الذاكرة، فلا هدف لهم ولا معنى لوجودهم».
هناك فارق شاسع بين الثقافة والتسلية؛ الأولى تصنع الفارق في المجتمعات، لأنها تعكس عمق القيم الصادقة وحقيقتها لمن يتبناها. والثانية مجرد شعارات وكلمات ترفع لأجل المنظر العام.
للكاتب العربي الكبير عبد الله العدوي كتاب في غاية الأهمية باسم «أزمة المثقف العربي» يبحث فيه عن الدور العميق للثقافة العربية، وغيابها عن صناعة المشهد المستقبلي للأمم. الصراع على هوية المنطقة ومستقبلها مع تحول المشروعات الثقافية بلا أهداف حقيقية، يجعل منها مشروعات ماكياج وتجميل وتسلية ليس أكثر.
كل ثقافة لا تولد مساواة وعدالة وحسن ظن بين الناس، وبلا أحكام مسبقة، لا يعول عليها. نقطة على السطر.