سوسن الأبطح
صحافية لبنانية، وأستاذة جامعية. عملت في العديد من المطبوعات، قبل أن تنضم إلى أسرة «الشرق الأوسط» بدءاً من عام 1988، كمراسلة ثقافية من باريس، ثم التحقت بمكتب الجريدة في بيروت عند افتتاحه عام 1995. تكتب بشكل رئيسي في المجال الثقافي والنقدي. حائزة درجة الدكتورة في «الفكر الإسلامي» من جامعة «السوربون الثالثة». أستاذة في «الجامعة اللبنانية»، قسم اللغة العربية، عام 2001، ولها دراسات وأبحاث عدة، في المجالين الأدبي والفكري.
TT

انتخابات بحسّ أنثوي

أمران سيغيران وجه لبنان في السنوات القليلة المقبلة، وإن عجزت الانتخابات القريبة، عن قول كلمة الناس فيما يخص صلاح عيشهم وتحقيق أغراضهم: حيوية الشباب، وصعود نجم النساء. وهذا لا منّة لسياسي فيه ولا رغبة. الشبان يبلورون تجمعاتهم المدنية التي لا بد ستنفذ إلى ما هو أبعد، مهما أمكن إقصاؤهم على المدى القريب. أما النساء فيكتسحن الإعلام والمصارف والتعليم العالي والصيدلة والطب، ويزحفن إلى التكنولوجيا بنسب تفوق مرتين مشاركة زميلاتهن الغربيات، بعد أن أصبح عدد الخريجات من الجامعات في السنوات الأخيرة يفوق عدد الخريجين، مع أن النسبة تراها متساوية في كل مراحل التعليم السابقة، وهذا بحد ذاته إنجاز. والمفاجأة الأخيرة كانت في السلك الدبلوماسي بعد أن نجحت 17 متقدمة إلى الامتحان مقابل ثمانية فقط من زملائهن الشبان، مما يعني أننا في المستقبل سنرى سفيرات ضعف السفراء، في حال خضعت الترقيات لمبدأ الكفاءة لا وساطة العشائر.
ويبقى عدو المرأة في لبنان وهي تحتفل بيومها العالمي، نظام المحاصصة والطائفية الذي يتوسل إرضاء رؤساء القبائل على حساب المواهب.
فمن المعيب ألا تدخل المجلس النيابي خلال ما يقارب مائة سنة من عمره المديد سوى عشر نساء، سبع منهن ورثن رجالاً، وثلاث فقط جئن بفورة حماسية لم تكتمل مفاعيلها. ومعيب كذلك ألا نرى في أي حكومة أكثر من وزيرة، وكانت سابقة سعيدة حين وزّر عمر كرامي ذات يوم اثنتين، وسعد الحريري فعل مثله في إحدى حكوماته.
فقد بحّ صوت الحركات النسائية وهي تطالب بـ«الكوتة» أو إدراج بعض أسمائهن على اللوائح الانتخابية الرئيسية دون كبير جدوى. من أجل الانتخابات المقبلة، ترشحهن بأعداد فاقت سابقاتها، ولم يغير ذلك شيئاً في موازين «خناشير» السياسة المصريّن على رجالهم الذين اعتادوهم حولهم. هذا العام، ترجع الحركات النسائية اللبنانية لتسير في الشارع محتجة، كما فعلت قبل سبعين سنة بقيادة المناضلة ثريا عدرة، مع فارق صغير، ربما. إنهن في تحركهن الأول أغلق في وجههن «التياترو الكبير» وأحيط بالحراس الأشداء لمنع اجتماعهن، واعتقلت بعضهن حين أصررن على الاحتجاج، فيما بتن اليوم يستقبلن بأبواب مفتوحة وابتسامات عريضة، وكلمات منمقة، ومع ذلك تصمّ الآذان عن مطالبهن، بألف حجة، لكن الحقيقة بينة. من دون خرق لطبيعة النظام القائم لا مكان للنساء في الصفوف الأولى من التعيينات، وعلى رأس الوزارات، وفي الكتل النيابية، وإن تمكن من أغلبية الوظائف الصغيرة الأخرى. والأسوأ أن المرأة لتخترق التركيبة الأبوية المعقدة، تحتاج شيئاً من التماهي مع الطبيعة الذكورية، وكثيراً من قصقصة الأجنحة وبعضاً من التعليب، لتثبت أحقيتها، وسط حسابات لم تعتدها ومقاييس لم تكن تعرفها. وما تحتاجه المرأة إيصال نساء لم يخضعن للدخول في اختبار «الأنابيب التدجينية»، ليكن صوتاً مخلصاً لمثيلاتهن اللواتي يتقاسمن معهن رغباتهن وطموحاتهن، لا أن تتحول المرأة السياسية إلى مجرد قطعة «بزل» لا فاعلية لها، في اللعبة نفسها التي يراد تغييرها.
وكانت الفتيات الصغيرات يقرأن لليلى بعلبكي وغادة السمان وحنان الشيخ، فيشعرن أنهن يكتبن قصصهن بأنفسهن، ويتسلقن جدران أحلامهن مع الكلمات درجة تلو الأخرى. ومن لحظة طمحت الكاتبات إلى تقليد الحكايات الرجالية، وفقدت رواياتهن خصوصيتها النسائية، بحجة أن الكاتب لا ذكر ولا أنثى، باستثناء بعض المشاهد الجريئة التي ظننها علامة فارقة في نيلهن الحرية، لم يعد الأدب بالنسبة للفتيات تغييراً ولا الأديبات قدوة، ولا قصصهن مشوقة.
وكما في الأدب تبدو النساء في السياسة، حين يرضخن لمشيئة الزعيم التقليدي، الذي لا نيابة ولا وزارة إلا عبره ووفق وصفته الجاهزة. ولربما ولو من باب تسجيل الموقف، لو لجأت الحركات النسائية إلى تشكيل لوائح خالصة لها لخوض الانتخابات، لوفرت على نفسها مذلة السؤال، وثقل الوقوف على الأبواب. ولوصلت ربما بسيدتين أو ثلاث إلى الندوة البرلمانية، لهن رؤيتهن التي ليست بالضرورة هي من أولويات الرجل السياسي، بعد أن أظهر جلافة مع الطبيعة، واستهتاراً بنقاء الهواء، ولا مبالاة بانقراض الأسماك، وتكوّم النفايات وتلوث الأنهار وحتى قتل الطيور المسالمة. فلا عيب في تمايز المرأة، وأهلاً بمن يريد من الرجال أن ينضم إلى لوائحها من باب رؤيتها الأمومية. فنكران الحسّ الأنثوي والسوية النسوية، من باب طلب المساواة، من المعايب التي أصابتنا في مقتل. فالأصل المساواة في الحقوق وأمام القانون، وليس توحيد الحساسيات والرؤى والتماثل في الأولويات والتمنيات. فلكل تجربته التي راكم ومعرفته التي حصد. فمثال القاضية اللبنانية التي عاقبت شباناً مسلمين أساءوا إلى السيدة العذراء، بحفظ الآيات القرآنية التي تتحدث عن السيدة مريم وتسميعها، بدل السجن أو الغرامة، كان لا يمكن أن يصدر إلا عن امرأة، كدّت وهي تعلم أطفالها دروسهم، وتشرف على حفظ بعض نصوصهم، وتعرف انعكاس التربية على تنمية شخصياتهم.
هذه ليست دعوة لانقسام المجتمع إلى جنسين واللوائح الانتخابية إلى إناث منفصلات عن الذكور، بقدر ما هو احتجاج على رؤية سادت ودمّرت وطغت وتكبّرت، ترغم كل امرأة طامحة للتغيير، وشاب طالب لدور، على الانخراط في آلة جاهزة، ليست قادرة على إصلاح إعطابها، فما بالك بالانقلاب على نفسها.