حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

خوف اليابان من الصين!

في كثير من الأحيان نحتاج إلى رأي من خارج الصندوق والمحيط التقليدي لنرى معه آفاقاً جديدة ومختلفة للمسألة نفسها. وهناك اهتمام بما يحدث في منطقتنا، ليس من قبِل الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا فحسب، بل من دولة مهمة ومحورية مثل اليابان التي لديها اهتمامات عظيمة جداً بتطورات الأمور في هذا الجزء من العالم.
منذ ستة أعوام تقريباً دعيت من قبل أحد مراكز صناعة وأبحاث القرار العالمية للاجتماع بسفراء ومندوبي وزارة الخارجية اليابانية للحوار والرد على أسئلتهم عن أحداث المنطقة المتداعية، فاليابان مهتمة جداً لأن لديها نشاطات اقتصادية وشركات في غاية الأهمية في المنطقة، بالإضافة إلى أنها تستورد أكثر من 85 في المائة من احتياجاتها النفطية من بترول الخليج. ولكنها اليوم مهمومة بمسألة أخرى كما تبين لي. فقد اجتمعت مؤخراً مع دبلوماسي ياباني مخضرم له باع طويل ودراية بالمنطقة ويتحدث العربية بطلاقة، كان هاجسه الذي يشغل باله هو الوجود العظيم والمتنامي للصين. اليابان ترى وتراقب التمدد الصيني المدروس في بقاع العالم المختلفة، ويعتبر كل ذلك الأمر موجهاً لليابان في المقام الأول وليس إلى الولايات المتحدة الأميركية. فالصين كما يقال تضع عينها على جزر يابانية ومياه يابانية كما هو معروف ومحل نزاع بين البلدين، وذلك لتأمين ممر آمن للغواصات الصينية للمحيط الهادي. أيضاً الصين توجه نفوذها وتطلق العنان لحليفها في كوريا الشمالية لإزعاج اليابان دوماً، وبالتالي إنهاكها اقتصادياً لتوجيه ميزانيتها نحو الإنفاق الدفاعي العسكري، والتقليص من قدراتها الاقتصادية.
اليوم الصين تتحرك للتأمين «العملي» لخطوطها التجارية البحرية، فهي لديها قاعدة عسكرية كبرى في جيبوتي، وقضت وحدها على حراك القراصنة في القرن الأفريقي، واليوم لديها في جمهورية سريلانكا ميناء تملكه وتديره بالكامل، وهو ميناء همبنتوتا، الذي آل إليها بعد تعثر سريلانكا عن سداد مديونيتها الهائلة للصين التي قدمت قروضاً لبناء وتشغيل هذا الميناء، وهذا «الوجود» المهم أعطى الصين «الحق» في انتقاد تدخل الهند، الخصم الإقليمي المعتاد للصين، في الشأن المالديفي الجار لسريلانكا، وهي المناطق التي تعتبرها الهند العمق الاستراتيجي لها.
اليابان تراقب نمو العلاقات بين السعودية والصين والاستثمارات المتزايدة للصين في السعودية، والعكس أيضاً الاستثمارات السعودية في الصين. اليابان لا تكترث ولا تهتم كثيراً بكوريا الجنوبية، فهي لديها قناعة بأن كوريا الجنوبية مهووسة بعقدة النقص من اليابان، وغيرة شديدة، ولكنها تحسب حساباً شديداً للصين وتحركاتها، نظراً للتاريخ المضطرب والمتأجج بين البلدين في فترات متفاوتة من الزمن. وتعتبر اليابان أن هناك حراكاً غير بريء من الصين باتجاه إيران «لتقويتها» ضد الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي منح إيران النفس العميق للاستمرار في أعمالها، وكذلك الأمر اليوم تقوم الصين باحتضان باكستان التي اهتزت وتوترت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، والتي كانت الشريك الأمني الأول معها، وذلك بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحادة ضد باكستان، فاستغلت الصين ما حدث لتضرب عصفورين بالحجر نفسه؛ تخطف باكستان من أميركا وأيضاً تضع دولة حليفة لها في مواجهة منافس إقليمي مهم وهي الهند، التي ليست على أفضل الأحوال في علاقاتها مع باكستان أيضاً.
وجهة النظر اليابانية في حراك الصين مهمة، وخصوصاً أنها تستشهد بما «أنجزته» الصين من اختراقات بالغة الأهمية في أفريقيا، والتي باتت فيها دولاً عن بكرة أبيها في المدار الصيني مثل إثيوبيا والسودان وزبمباوي وجيبوتي، وكذلك الأمر في أوروبا الشرقية واليونان وأميركا الجنوبية وأستراليا، بل حتى الدخول في شراء الأندية الرياضية مثل شراء فريق «إي سي ميلان» الإيطالي.
ما نشهده الآن ليس بعد حقبة صينية، ولكن يبدو أن مشروع الصين العملاق «حزام واحد... طريق واحد»، له أبعاد أكبر بكثير من الغطاء الاقتصادي الظاهر.