ليونيد بيرشيدسكي
TT

التجسس ضد المنافسة

طفت على السطح مجدداً الأسبوع الحالي كراهية الحكومة الأميركية الدائمة لشركتي الهواتف الذكية الصينية «هاواوي» و«زد تي إي»، خلال جلسة الاستماع «للجنة الاستخبارات» بمجلس الشيوخ.
وعقدت الجلسة في حضور ستة من قادة المجتمع أدلوا بشهادتهم ونصحوا الأميركان بعدم شراء منتجات الشركتين المذكورتين لدواعٍ أمنية. ومن المقرر أن يناقش الكونغرس مشروع قانون تقدم به الحزب الجمهوري لمنع الحكومة من استخدام أي هواتف ماركة «هاواوي» أو «زد تي إي». وكانت المحاولة الأخيرة للنفاذ إلى الأسواق الأميركية الخاضعة لهيمنة الشركات قد باءت بالفشل بداية العام الحالي، واضطرت شركة «إيه تي & تي» الأميركية متعددة الجنسيات إلى إلغاء صفقة بعد تعرضها لضغوط سياسية.
وعليه ينبغي على المستهلكين الأميركان التعامل مع مثل هذه التحذيرات على أنها مسيسة، لا على أنها لدواعٍ أمنية. وهناك ثلاثة أسباب للتشكك في تلك التحذيرات.
السبب الأول فني، فمن السهل التأكد من البرمجيات الخبيثة في تطبيقات الهواتف، وفي حال قررت الحكومة الصينية التجسس على الأميركان، بحسب شركة «هاواوي»، لكان خبراء أمن الفضاء الإلكتروني أو حتى وكالات التجسس الأميركية نفسها أول من اكتشف ذلك وأبلغوا به عامة الناس. لكن ما يستدعي القلق حقاً هو ما يعرف باستغلال المعلومات «خارج نطاق الشبكات»، التي توجد إما في قطع الهاتف الذي تنتجه الشركة أو في برمجياته. فتلك الخاصية يمكن أن تبقى خفية لسنوات، مثل برمجيات «سبكتر» و«ملتداون» الخبيثة التي اكتشفت حديثاً، والتي بدا أنها لم تكن متعمدة، وهي برمجيات موجودة في كثير من وحدات المعالجة الحديثة التي يمكن من خلالها القيام بعمليات التجسس والتي كان بإمكان الصينيين وغيرهم استغلالها.
فما من هاتف في السوق حالياً إلا ويشتمل على قطع صينية الصنع، ولو أن هناك خطة حكومية صينية لمراقبة الهواتف الجوالة، لاعتمدت على شركات تصنيع الهواتف الجوالة ذات الملكية الصينية، ولكانت أيضاً استغلت شركات «أبل» و«سامسونغ» وغيرها من الهواتف. وعلى حد علمنا، فأشهر مصممي الشرائح الإلكترونية مثل الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة يفعلون ذلك بالفعل. وإن كانت الوساوس تتملكك بهذا الشأن، يمكنك أن تتخلص من هاتفك الجوال أياً كان طرازه.
السبب الثاني يتعلق بانتقائية التحذيرات، فالحكومة الأميركية تقف دوماً وراء شركتي «هاواوي»، و«زد تي إي» منذ عام 2011 عندما بدأت لجنة الاستخبارات بمجلس النواب التحقيق بشأن هاتين الشركتين باعتبارهما شركات لتصنيع معدات الاتصالات. وفي النهاية، توصلت الحكومة الأميركية إلى أن اتصال هذين الهاتفين مع الحكومة الأميركية أمر يدعو إلى الريبة، على الرغم من عدم اكتشاف برمجيات محددة بتلك الهواتف تدعو إلى ذلك. ومنذ إعلان التقرير المسيء، استحوذت شركة «لينوفو» الصينية على شركات «موتورولا موبيلتي» من شركة «غوغل»، وعلى الرغم من الضجيج الذي صدر عن البنتاغون ومن وكالات الاستخبارات التابعة لها التي زعمت بأن أجهزة «لينوفو» تمثل تهديداً أمنياً هي الأخرى، لم تكن هناك ضغوط ملحوظة على الشركات لإيقاف بيع هواتف «لينوفو» و«موتورولا». وفي الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2017، كانت النسبة التي تحوزها «لينوفو» في أسهم سوق الهواتف الذكية الواردة إلى الولايات المتحدة 4.1 في المائة، فيما كانت نسبة «هاواوي» 0.3 في المائة، وكانت تبيع الهواتف غير المغلقة.
ما من شك في أن «موتورولا» اسم كبير في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من التقليص الكبير في أعداد العاملين هناك بعد صفقة «لينوفو»، فإنها لا تزال شركة أميركية من الناحية الفنية. والغريزة الحمائية هي السبب المنطقي الوحيد الذي لم يضعها في سلة واحدة مع «هاواوي» و«زد تي إي».
السبب الثالث الذي يدعو إلى الشك هو أن «هاواوي» و«زد تي إي» لا تخضعان لأي ضغوط في أوروبا. ففي الربع الأخير من عام 2017، كانت «هاواوي» ثالث أكبر شركة من حيث المبيعات في غرب أوروبا بعد «سامسونغ» و«أبل» بعدما بلغت أسهمها السوقية 13.5 في المائة من إجمالي مبيعات السوق. فمن دون الحاجة إلى حماية صانعي الهواتف الذكية المحليين - وإن كان لا يوجد هناك ما يمكن الحديث بشأنه في هذا الصدد - فإن الدول الأوروبية المهمومة بالخصوصية تراها على وفاق مع الشركات الأميركية والصينية، ولو أن هذه الدول تيقنت من أن أياً من هاتين الدولتين قد تجسست عليها، فسيحنق المستخدمون كثيراً من هذا الأمر. ويشبه هذا إلى حد بعيد وضع البرمجيات المضادة للفيروسات، حيث تحظر الحكومة الأميركية استخدام منتجات «كاسبرسكي» الروسية على شبكاتها، لكن غالبية حكومات الاتحاد الأوروبي (وإن كانت المملكة المتحدة استثناء بارزاً) لا تزال غير مدركة للخطر الذي تمثله، ولذلك تستخدم تلك الدول الحلول الأمنية الروسية والأميركية على حد سواء.
ببلاغة، قام ستيفاني بيل، من أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، وكريستوفر سوغان، من «اتحاد الحريات المدنية الأميركية» بعمل شرح للجانب السياسي لقضية «هاواوي - زد تي إي» في بحث قدماه عام 2014 يتعلق بمراقبة الهواتف.فالشركات التي أنتجت المعدات التي أثارت تلك الشكوك شركات صينية، ولذلك كانت جاهزة لمحاولات الشيطنة السياسية المعدة سلفاً من قبل وكالات الاستخبارات وحلفائها في الكونغرس.
علاوة على ذلك، فالحكومة الصينية وتهديدها للأمن القومي باستخدامها الأبواب الخلفية المتمثلة في الهواتف الجوالة، على العكس من غيرها من التهديدات، عرضت ميزة سياسية متأصلة تمثلت في عرض القضية الأصلية للنقاش العام من دون تعريض مصادر أو أساليب أي وكالة استخباراتية أميركية للخطر.
والآن، فإنه من شأن تلك المعاملة المتباينة مع «لينوفو» أن تضيف إلى ذلك عنصر حماية السوق. فما من سبب يجعل سوق الهواتف الجوالة في الولايات المتحدة مختلفة عن السوق العالمية التي تحتل فيها «هاواوي» الترتيب الثالث، مثلما هو الحال في أوروبا، بنسبة 7.9 في المائة من واردات الهواتف الجوالة في العالم. ويرجع السبب في تحقيق الشركة الصينية لهذا الترتيب المتقدم إلى أنها تبيع معدات موثوقة ورائعة التصميم بمواصفات متطورة، بعضها فريد من نوعه، مثل كاميرا ليسيكا المثبتة به، وبسعر أقل من منافسيه.
فالهاتف «هاواوي» ماركة «ميت 10 برو» يباع بسعر 799 دولاراً أميركياً على موقع «أمازون» بالمقارنة بجهاز «أيفون إكس» الذي يباع بسعر 1100 دولار.
للمستهلكين مطلق الحرية في الحكم على المنتجين بأنفسهم، لكن الوضع هنا أشبه بمنافسة السوق، وليست له علاقة باختراق الصين للولايات المتحدة وسرقتها الرسائل والبيانات. فالصين لا تفعل هذا مع ماركات أميركية مثل «أبل»، وإن كان بإمكانها أن تفعل إن أرادت.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»