د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

السوق الموازية والشركات الناشئة

في نهاية هذا الشهر، تكمل السوق الموازية السعودية «نمو» عامها الأول، وعلى الرغم من التقلبات التي مرت بها هذه السوق في عامها الأول، إلا أن خطوة إنشاء سوق أسهم موازية، خطوة صحيحة بلا شك في حال أرادت الحكومة السعودية تطوير المنشآت المتوسطة والصغيرة. سوق الأسهم الموازية، أو ما قد يسمى بسوق الأسهم المتوسطة والصغيرة أو سوق الأسهم الثانوية، هي سوق تعنى بالشركات الأصغر حجماً والأقل تعقيداً من الشركات المدرجة في سوق الأسهم الرئيسية. ولعل أكبر هدف لهذه السوق، هو إيجاد فرص لتمويل الشركات المتوسطة والصغيرة دون الحاجة إلى الاستدانة من المؤسسات المالية، كما أنها تعد الخطوة الأولى لإدراج أي شركة في السوق الرئيسية.
وعادة ما تكون سوق الأسهم الموازية أكثر مرونة من السوق الرئيسية، فعلى سبيل المثال، يشترط في سوق الأسهم الموازية في السعودية ألا يقل رأس مال الشركة عن عشرة ملايين ريال، بينما تشترط السوق الرئيسية مائة مليون ريال، كما أن النسبة الدنيا للطرح في السوق الموازية هي في المائة، بينما ترتفع هذه النسبة في السوق الرئيسية إلى 30 في المائة. وتضيف السوق الموازية للاقتصاد الوطني بشكل كبير في حال تم استغلاله الاستغلال الأمثل، فهو يحفز الشركات المتوسطة والصغيرة إلى تطوير أعمالها وتنظيم منشآتها حتى تتمكن من الدخول إلى السوق، وبالتالي الحصول على تمويل من خلال الطرح الأولي، وفي ذلك تدعيم للاقتصاد من خلال تكوين قاعدة صلبة من هذه المنشآت. وفي بعض الحالات، قد تحول شركات من السوق الرئيسية إلى السوق الموازية في حال عدم التزامها بلوائح السوق الرئيسية، وفي ذلك خطوة أولى لإيقاف الشركة، وهي خطوة أفضل من إيقاف تداول أسهم الشركة بشكل فجائي، الذي فيه ضرر كبير لصغار المساهمين.
إلا أن الفائدة الكبرى لهذه السوق، هو دعم تمويل المنشآت المتوسطة والصغيرة، التي قد تعاني كثيراً في حال تمويلها من البنوك والمؤسسات المالية، إما بسبب زيادة معدل الخطر فيها، أو بسبب قلة الأصول لديها، مما قد يتسبب في زيادة سعر الفائدة عليها. وتشكل الشركات المتوسطة والصغيرة داعماً رئيساً للاقتصاد العالمي، سواء من ناحية نسبة التوظيف، أو مما تشكله من نسبة الناتج. لذلك فإن الحكومات دائماً ما تحرص على متابعة أداء هذه المنشآت وتطوّرها. إلا أن عدم فعالية بعض هذه الشركات، وعدم حرصها على ضبط تنظيماتها الداخلية يضع علامة استفهام كبيرة عليها، وقد يكون سبباً رئيسياً لإحجامها عن الدخول في السوق الموازية. ولكي يرتكز الاقتصاد الوطني على الشركات المتوسطة والصغيرة، يجب على هذه الشركات أن تكون بالفعالية والكفاءة اللازمة للدخول للسوق الموازية، وأن يكون عدم دخولها للسوق الموازية هو قرار إداري، لا أن يكون لعدم قدرتها على دخولها، وهنا قد يبرز الدور الحكومي التنظيمي لهذه الشركات، لكي تكون أكثر قدرة على مواجهة المتغيرات والصعوبات.
وقد يكون للسوق الموازية فائدة أكبر في هذا الوقت، ألا وهو دعم الشركات الناشئة، التي عادة ما تشقى لإيجاد سُبِلٍ للتمويل، وتقوم بعض الدول بإنشاء سوق ثالثة بعد السوق الرئيسية والموازية، وذلك لدعم تمويل الشركات الأقل حجماً، وفي حين يحظى بعض أصحاب المنشآت الناشئة بدعم من مستثمرين مستقلين مثلما يحدث في وادي السيلكون في الولايات المتحدة، أو من بعض الصناديق الحكومية مثلما يحدث في السعودية، يبقى الكثير من أصحاب الشركات الناشئة بلا تمويل على الرغم من نجاح مشاريعهم. ولهذه الأسواق دور مهم في إيصال مشاريع المبدعين إلى أصحاب رؤوس الأموال من خلال قنوات رسمية حكومية، وكما أن أحد أهداف السوق الموازية هو إيجاد مظلة رسمية حكومية للمساهمات، فقد تكون السوق الثالثة قناة رسمية حكومية لإيصال أفكار المبدعين إلى الممولين. ومع كثرة المنافسة العالمية على دعم المشاريع الناشئة (وخصوصاً التقنية منها)، واعتبارها في الوقت الحالي عنصراً أساسياً في تدعيم الاقتصاد المحلي، فإن المتأمل في هذه المشاريع يعي تماماً صعوبة حصول أصحابها على التمويل الكافي، خصوصاً مع زيادة معدل الخطر فيها، الذي قد يصرف البنوك عن تمويلها. وقد يكون للحكومات يد في دعم هذه المشاريع، لا بالتمويل المباشر لها، بل بإيجاد طرق غير مباشرة لتسهيل حصول أصحابها على تمويل يهيئ لهم طريق النجاح.