د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

لماذا لا تستقر ليبيا؟

عاد العنف الدموي إلى ليبيا بنشر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً للنقيب محمود الورفلي القائد العسكري في قوات المشير خليفة حفتر وهو يعدم على طريقة تنظيم داعش الإرهابي عشرة أشخاص مقيدي الأيدي في بنغازي، رداً على تفجير مزدوج في المدينة (الثلاثاء) وأسقط 41 قتيلاً. ودعت البعثة الأممية في بيان إلى تسليم الورفلي فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أنها رصدت ما لا يقل عن خمس حالات إعدام ارتكبها، أو أمر بها الورفلي خلال عام 2017.
نددت بهذه الجريمة كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، كما نددت بها الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.
السؤال: لماذا تزايدت وتيرة العنف في ليبيا رغم حقيقة أن أطراف الأزمة الليبية قد وقعوا على عدة اتفاقيات للخروج بالبلاد من دوامة العنف والتوتر السياسي الذي عاشته منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي؟
التصعيد الأخير في الجنوب الليبي سيؤدي إلى نسف الاتفاق الذي جرى بين المشير حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، يرى مراقبون سياسيون أن الهدف من التصعيد العسكري هو ضرب العملية السياسية التي من المرجح أن تصب في مصلحة حفتر الذي يرى أنه لا بد من تعديل جوهري في اتفاق الصخيرات.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل يمكن الوصول إلى تسوية سياسية من خلال مصالحة وطنية ترضي جميع الأطراف وتضع حداً لتزايد العنف في ليبيا؟
السؤال: لماذا نجحت المصالحة الوطنية في العديد من دول العالم وعلى رأسها جنوب أفريقيا وفشلت عندنا في العالم العربي؟... لقد مضى أربعة عشر عاماً على سقوط النظام الاستبدادي في العراق، وسبع سنوات على سقوط العقيد القذافي في ليبيا عام 2011، وسبع سنوات على انفجار الشعبين في كل من سوريا واليمن، ودخول هذه البلدان في مستنقع العنف والإرهاب والقتل على الهوية والتشريد وبدء الحروب الطائفية والعرقية... مرة أخرى نتساءل: لماذا فشلت كل المحاولات الجادة للحوار وتحقيق المصالحة؟
هنالك عدة أسباب تمنع المصالحة الوطنية سنتعرض لها حتى يمكن تخطي كل العقبات:
أولاً: ضعف الثقافة السياسية، فقد برزت في الأفق العربي بعد الثورات استعصاءات كبيرة في تغيير نمط الثقافة السياسية السائدة، مما يصعب مهام الانتقال والتحول الديمقراطي في هذه الدول بفعل استمرار الثقافة السلطوية ببعديها السياسي والمجتمعي، ويرجح بعض الأكاديميين سبب الفشل لحقيقة أن هذه البلدان لم تعرف الحكم الصالح والرشيد الذي يستند إلى أسس ومبادئ المؤسسية والمواطنة وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة.
ثانياً: عقلية الانتقام ، فالتجارب الإنسانية مع الشعوب والدول التي مرت بحروب أهلية مثل جنوب أفريقيا وسريلانكا وتشيلي وكمبوديا التي قتل فيها مليونان ونصف المليون نسمة عندما انتهت الحرب تمت المصالحة الوطنية، وتمت محاكمة المجرمين وسجنهم بعد اعتذارهم للشعب، وتأسست حكومة جديدة بروح جديدة. ما حصل لدينا في العالم العربي هو بروز عقلية الانتقام بدلاً من التسامح ونسيان الماضي، ونتج عن ذلك تعميق الانقسام بدلاً من التئام الجروح.
ثالثاً: الفشل في إدارة التنوع؛ إذ من الأسباب الرئيسية لتنامي العنف والإرهاب في عالمنا العربي هو فشل معظم الدول العربية في تأسيس الدولة الوطنية من خلال دولة المؤسسات. هذه الدول أسست أجهزة وسلطات حكم تمحورت حول شخصية الحاكم المنفرد بوجود دائرة ضيقة من أنصاره ومؤيديه، لذلك عندما انهارت شخصية ذلك الحاكم حتى برزت بعض الجماعات المسلحة تمثل بعض الجماعات والأحزاب الدينية مثل الحوثيين في اليمن والدولة الإسلامية المزعومة في العراق وسوريا وليبيا.
رابعاً: لعبت التدخلات الخارجية دوراً في تقويض كل المحاولات لتحقيق الوحدة الوطنية، فالولايات المتحدة لعبت دوراً في تمزيق العراق، كما لعبت روسيا الاتحادية دوراً بارزاً في دعم النظام السوري... ولا أحد ينكر التدخل الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
خامساً: فقدان مفهوم التسامح
في الدول العربية الاستبدادية، فمفهوم التسامح مفقود في مجتمع متعدد الثقافات والأديان والطوائف، فالأنظمة الاستبدادية تستقوي بالقبلية أو الطائفية أو المذهب الديني، وترفض مفهوم التسامح والتعايش.
هذه الأسباب مجتمعة تجعل من الصعب إنهاء الحروب الأهلية، فكل طرف يعتقد أنه هو الذي سيحقق الأمن والاستقرار، ويحاول إقصاء الآخر... هذه الثقافة لا تبني أمة موحدة تنشد الاستقرار.