حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إعلام يحتضر وفرصة!

ليس سراً عندما يقال إن الصحافة الورقية في حالة حرجة جداً، وإن حال المهنة في وضع دقيق. أرقام المبيعات في انخفاض مهول، مداخيل الإعلان في مستويات دنيا غير مسبوقة، الوضع حرج جداً ومؤسسات صحافية عريقة تغلق أبوابها تماماً، أو على أقل تقدير تقلص أعداد موظفيها وتسرحهم، وتقلص حجم الصحيفة، سواء من ناحية عدد الصفحات، أو حجم الصفحة نفسه.
معدل أعمار القراء للصحف الورقية 45 عاماً. بعض الجيل الجديد من القراء اتجه بأكمله نحو الصحافة الإلكترونية وإعلام التواصل الاجتماعي. ولكن إنصافاً وإحقاقاً للحق لا تزال الصحف تحظى بمكانة مميزة متى ما تعلق الأمر بنقل الخبر، وبالتالي أهميته، ومن ثم مصداقيته، فلا تزال مصادر أخبار «واشنطن بوست» و«وول استريت جورنال» و«التايمز» و«الديلي تلغراف» و«اللموند» و«دير شبيغل» وغيرها تحظى بمكانة أهم من وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية.
اليوم تقود «نيويورك تايمز» حزب «المعارضة» أمام الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وكل أخبارها تحظى بتغطية لافتة، ويتفاعل معها البيت الأبيض وسائر الساسة، وعندما اختارت كاترين دونوف أيقونة الفن الفرنسي وسيلة لإبداء رأيها في موضوع التحرش الجنسي اختارت أن تنشر مقالات في صفحة الرأي في صحيفة «اللموند». وبالتالي فإن جدارة «الصحف» ومكانتها كوسيلة تبقى مهمة. أما في العالم العربي فالموضوع مختلف، فدور الإعلام مختلف في الغرب؛ هو ملكية خاصة وتحميها الأنظمة والقوانين لممارسة دور رقابي وعين المجتمع على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولذلك أطلق عليها السلطة الرابعة.
في معظم دول العالم العربي الأمر ليس كذلك البتة، حتى لا يختلط علينا الأمر، هناك «سقف للحرية» يعلو ويهبط بحسب الظروف، وهناك خطوط حمراء وخطوط سواء فيها الكثير من المزاجية والنسبية، وغير واضحة الملامح، ومتروكة هي الأخرى بحسب الظروف والأشخاص. ولكن الإعلام في العالم العربي له دور في إثارة حراك مطلوب في الكثير من القضايا الاقتصادية والفكرية والثقافية والدينية والسياسية في بعض الأحيان، وساهم في صناعة رأي عام لأجل مناصرة ودعم بعض الحقوق وفعل الأرضية الملائمة لقرارات إصلاحية.
الإعلام في بعض الأحيان أداة دفاع لا تقل أهمية ولا خطورة عن القوات المسلحة للدفاع عن سياسات ومصالح الدول والشعوب، ليساهم في نقل الصورة الحقيقية والخبر السليم والآراء الواقعية في كل بلد بعينه، بدلاً من أن تترك لـ«خبراء» و«منابر» غير موضوعية ومسيسة لأغراض أخرى مريبة وخفية. في بعض الحالات يستحق الإعلام الورقي أن يلقى التعامل الاستثماري الاستراتيجي من الدول العربية، واعتبار ذلك استثماراً في الخطاب الحقوقي والدفاعي عن البلاد.
الحرب اليوم فيها جانب إعلامي مهم وفتاك، وترك مؤسسات مهمة وعملاقة «تموت» من دون السعي لتأسيس كيانات إعلامية جديدة بدمج واندماج واستحواذ وطني وإقليمي مع دول لها الأهداف والمصالح نفسها، هو قراءة قاصرة لموقف خطير وإضاعة فرصة ذهبية قد لا تتكرر أبداً.