سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

نادي التسلية الذي فاجأ ترمب!

في أيام السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، لم يكن المرشح دونالد ترمب يُخفي حقيقة رأيه في منظمة الأمم المتحدة، بطوابقها الثمانية والثلاثين، التي ترتفع في سماء مدينة نيويورك، لتنافس من حيث ارتفاعها، على نحو من الأنحاء، برجاً يحمل اسم الرئيس الأميركي، ويرتفع بطوابق مماثلة، أو قريبة، في سماء المدينة ذاتها!
وكان الرجل يردد في أكثر من مناسبة، ما يشير إلى أنه قليل الثقة في هذه المنظمة الدولية الأم، وكان يراها نادياً للتسلية في كل الأحوال... وعندما أشاع قبل دورتها السنوية المنعقدة في سبتمبر (أيلول) من هذا العام، أنه يريد إصلاحها، لم يكشف بالضبط عما يراه فيها في حاجة إلى إصلاح، ولم يذكر ما إذا كان يملك برنامجاً خاصاً جاهزاً للإصلاح الذي يتصوره، أم أنه يريده إصلاحاً جماعياً من داخلها، على يد الدول الأعضاء فيها مجتمعة... لم يكشف عن شيء من هذا كله، ولكنه فقط تكلم عن إصلاح لها يراه مطلوباً!
ولو أنه راح يتطلع إليها، بعين السياسي الراغب في أن يجد لديها ما يخفف من آلام الشعوب الفقيرة، بدلاً من عين صاحب الأعمال الذي يقيس جدواها، على قدر عائدها الملموس في يده، لكان قد رأى فيها رأياً آخر، ولكانت رغبته في إصلاحها قد جاءت بحصيلة في آخر المطاف!
والمؤكد أن نيكي هيلي، مندوبته الدائمة فيها، كانت تتكلم بنفس منطق تفكيره، وهي تقول: إن بلادها سوف تسجل أسماء الدول التي تُصوّت ضد قراره حول القدس، داخل المنظمة الدولية، وإن واشنطن ستكون لها وقفة مع كل دولة من هذه الدول!
وليس من الواضح أنه كان يتوقع أن نادي التسلية، سوف يفاجئه عند أقرب منعطف، بأن إضفاء مثل هذا الوصف على منظمة قائمة منذ نشأتها على حفظ السلام والأمن الدوليين، لم يكن وصفاً في مكانه... صحيح أن سقف الطموح في قدرتها على حفظ السلام الدولي، ومعه الأمن الدولي أيضاً، كان أعلى مما تحقق من خلالها، بكثير، على مر السنين، غير أنها في النهاية ليست نادياً للتسلية في أسوأ الأحوال، ولا يصح أن تكون!
وهي لم تفاجئه مرة، ولا حتى مرتين، ولكنها فاجأته ثلاث مرات، وفي بحر شهر واحد، هو هذا الشهر الذي يودع به العالم عاماً كاملاً!
ومن اللافت أن إحدى هذه المرات، كانت قبل قراره في السادس من هذا الشهر، نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، واعتبارها عاصمة لإسرائيل!
وهو أمر لافت، لأن ترمب لو كان قد تدبّر ما جرى في أروقة الأمم المتحدة، قبل اتخاذ قراره بأيام معدودة على أصابع اليد الواحدة، لكان قد تمهل قليلاً في القرار، كما تمهل رؤساء أميركيون كثيرون سبقوه، ولكان قد تفادى حرجاً أصابه، وأصاب بلده في الوقت ذاته!
فقبل القرار بأيام قليلة، صوتت الجمعية العامة التي تضم كافة الدول الأعضاء في المنظمة، على علاقة القدس بإسرائيل، وكانت النتيجة مفاجئة، بقدر ما كانت موحية، لأن 151 دولة، من بين 193هي كل دول الأمم المتحدة، أيدت عدم وجود علاقة بين القدس وبين إسرائيل!
وكان التصويت على هذا النحو، يقول: إن المزاج الدولي في أغلبه، ليس على استعداد للقفز فوق حقيقة تقول إن القدس الشرقية على الأقل، هي عاصمة لدولة اسمها دولة فلسطين، وإن هذه الدولة إذا لم تكن قد قامت اليوم، فسوف تقوم غداً، وإن عدم قيامها لا يعني بأي حال تجريد المدينة من فلسطينيتها، ولا من إنسانيتها، وعروبتها، وإسلاميتها!
ولكن ترمب عجز عن قراءة معنى التصويت!
وما كادت أيام أقل تمضي على قراره، حتى وجدت إدارته أنها على موعد مع تصويت آخر أقوى في معناه... وكان ذلك حين طرحت القاهرة مشروع قرار في مجلس الأمن يدعو الدول إلى عدم مجاراة الولايات المتحدة في قرار القدس، ويُنبه إلى أن أي قرار سياسي، من نوع قرار ترمب، لا يغير من الوضع القانوني للقدس، ويقول: إنها متروكة للمرحلة الأخيرة من مراحل التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإن هناك ما يشبه الإجماع الدولي في هذا الاتجاه!
وقد مالت 14 دولة، من بين 15 دولة، هي كل أعضاء المجلس، إلى ما دعت إليه مصر في مشروع قرارها، وكانت الدولة الوحيدة التي أعلنت رأياً مختلفاً هي أميركا طبعاً!
وكانت تلك هي المفاجأة الثانية!
ولم تكن الثالثة بعيدة عن الأولى، ولا عن الثانية، لأن اليمن حين قدم الخميس الماضي مشروع قرار يحفظ للقدس ما عاشت عليه مدى تاريخها، عادت إدارة الرئيس الأميركي لتجد نفسها، من جديد، في مواجهة مع الغالبية من دول العالم، لأن 128 دولة، من بين 193 دولة، لم تجد حرجاً في أن تعلن رفضها لقراره!
وكان وجود دول حليفة للولايات المتحدة، مثل بريطانيا، واليابان، وفرنسا، وألمانيا، بين الدول الرافضة للقرار، يعني الكثير، لمن أراد في إدارة ترمب أن يقرأ نتيجة التصويت على وجهها الصحيح!
ولا تعرف ما الذي سوف يفكر فيه الرجل، في اللحظة التي ستضع فيها السيدة هيلي، قائمة الدول الرافضة أمامه، ولكن ما يمكن أن نُخمنه، أنه سيسأل نفسه هذا السؤال: يمكنني أن أعاقب دولة، أو دولتين، أو ثلاثاً، أو حتى عشر دول... ولكن كيف أعاقب 128 دولة؟!
ثم إنه سيراجع نفسه قطعاً في حكاية نادي التسلية، التي تلبّسته قبل أن يفوز!