إميل أمين
كاتب مصري
TT

أوباما... استحقاقات {إيران ـ غيت}

ربما حانت لحظة الحقيقة ليعرف الأميركيون خاصة والعالم عامة، الأبعاد الخفية في العلاقات الأميركية - الإيرانية في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، وبخاصة بعد انفجار المعلومات حول صفقة «كاسندرا» المرتبطة بـ«حزب الله» ودوره في الاتجار بالمخدرات حول العالم، وتحويل الأرباح التي تصل إلى مليار دولار سنوياً إلى جماعة ميليشياوية وثيقة الصلة بالكثير من ملامح عدم الاستقرار في لبنان والشرق الأوسط.
تفتح القضية مثار الحديث في واشنطن اليوم أبواباً ظلت مغلقة تقودنا إلى كواليس علاقة أوباما بإيران وبجماعات الإسلام السياسي والمآسي التي تعرض لها الشرق الأوسط من إقدامه العبثي في بعض الحالات على تغيير الأوضاع وتبديل الطباع، ودعم جماعات إرهابية للوصول إلى مقاعد السلطة، وكذا من جراء إحجامه عن التدخل في الوقت الذي كان ينبغي فيه حسم المشهد كما الحال مع الأزمة السورية.
لم يعد الحديث الآن يُهمس به في المخادع، بل يُنادى به من شرفات مجلس النواب الأميركي، حيث طالب اثنان من كبار أعضاء «لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي»؛ جيم جوردان، ورون ديسانيتس، النائب العام الأميركي جيف سيشنز بفتح تحقيق بشأن الطريقة التي تعاملت بها إدارة أوباما مع ملف اتجار «حزب الله» بالمخدرات، وبخاصة بعد التقرير الاستقصائي الذي نشرته مجلة «بوليتيكو»، وفيه من المعلومات ما هو مثير، وباختصار غير مخلّ فإنه منذ عام 2008 هناك عشرات الأجهزة الأمنية الأميركية تراقب وتتابع شبكات «حزب الله» الإجرامية التي تقوم بتهريب الكوكايين والأسلحة، وغسل الأموال، غير أن مسؤولي إدارة أوباما عرقلوا تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات الأميركية (DEA).
هل نحن أمام فضيحة كبرى يمكن أن تؤدي بباراك أوباما إلى ما وراء القضبان؟ أم أنها المكايدة السياسية من الجمهوريين وعلى رأسهم دونالد ترمب لإحداث مقايضات تحتية غير علنية فيما يتصل بأزمة «روسيا - غيت»؟
تبدو واشنطن في الأعوام الأخيرة في ارتباكها واضطرابها وأكاد أقول «لا أخلاقيتها» كجبل الثلج لا نرى إلا قمته ويبقى جسده غاطساً في الأعماق.
المشهد يحمل حال ثبوته اتهامات بتهديد حياة الأميركيين وتهديد التراب الوطني الأميركي، الأمر الذي يمكن أن يرقى إلى مستوى الخيانة العظمى، ويدعو لإعادة قراءة تصريحات وأفعال فريق أوباما طوال 8 سنوات جهة إيران، وهل كان العمل على إنجاز الاتفاق النووي الإيراني يستحق التضحية بالأمن القومي للأميركيين؟
منذ أن ارتقى أوباما سدة البيت الأبيض وحديثه لم ينقطع عن تحسين العلاقة بين طهران وواشنطن، ويبدو أن هناك أجهزة أمنية استخباراتية عالية التأثير قد دعمته في هذا السياق، لأهداف ربما تظهرها التحقيقات القادمة، والتي ستُحدث ولا شك جلبة كبرى في الأرجاء.
من بين الذين برروا آيديولوجياً لأوباما هذا التقارب، كان جون برينان مدير الوكالة الأشهر في علاقاتها الخارجية بصفقات مثل التي نسمع بها مؤخراً، وقد أوصى الرئيسَ بأن «لديه الفرصة لإقامة مسار جديد بين البلدين، من خلال ليس الحوار المباشر مع طهران فحسب، بل - وهذا هو الأخطر الذي يجب البحث فيما ورائياته - زيادة دمج (حزب الله) في النظام السياسي في لبنان».
لمصلحة مَن كان باراك أوباما يرسم سياساته الخارجية؟ وأيُّ فارق بين الرجل الذي رأيناه في جامعه القاهرة في يونيو (حزيران) 2009 متحدثاً عن علاقات تسودها العدالة والاحترام بين واشنطن وعواصم العالم الإسلامي السُّني تحديداً وبين ما ذهب إليه عملياً من رغبة في تصور دور جديد لـ«حزب الله» في الشرق الأوسط؟
حكماً نحن أمام إشكالية أميركية ترقى إلى مستوى الفضيحة بامتياز، ويكاد ثقات الأميركيين يقتنعون بأننا أمام «إيران - كونترا» جديدة، تلك التي جرت بها المقادير في ثمانينات القرن الماضي عندما زودت واشنطن طهران بنحو 3 آلاف صاروخ «تاو» مضادة للدروع، وصواريخ «هوك أرض – جو» مضادة للطائرات، مقابل إخلاء سبيل 5 من الأميركيين المحتجزين في لبنان.
وفي ملفات الاستخبارات الأميركية قصص عديدة عن علاقات «كارتيلات المخدرات العالمية»، وعمليات من وراء ظهر القائمين على القانون الأميركي، ومن دون علم الكونغرس.
السؤال الحيوي في هذا المقام: هل التزمت إيران بأسوأ اتفاق وقّعته أميركا المعاصرة في تاريخها؟
حريٌّ بالمحققين طرح علامة الحيرة السابقة على باراك أوباما، الذي يمكن وصفه بأنه واحد من أسوأ الذين أداروا السياسات الخارجية الأميركية في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، ذلك أن الحال يُغني عن السؤال، سيما أن ما أتاحه الاتفاق لطهران من فك أغلال، وتحرير أموال مجمدة، ها هي تستخدمه دون رادع أو وازع في تمويل مشروعها الصاروخي الذي بات يهدد أمن دول الجوار صباح مساء، كل يوم.
بحال من الأحوال نحن إزاء الفصل الأول من مشهد فضائحي أميركي جديد، تفقد فيه أميركا المزيد من صدقيتها الأخلاقية، غير أن ما يهمنا بنوع خاص، هو الحقيقة التي حانت ساعتها، وكيف لإدارة دونالد ترمب الاستفادة منها، بمعنى أن تضحى قصة أوباما الأخيرة دافعاً وحافزاً لأن تتخذ موقفاً جدياً من المشروع الصاروخي الإيراني، وأن يرى الحلفاء العرب والشرق أوسطيون شفافية ونزاهة بحسم وحزم للوقوف في وجه الخطر الإيراني الداهم، وإلا فإن الجميع سينظر إلى ترمب بوصفه شريكاً بالتخاذل، أو الصمت على الأقل... فانظر ماذا ترى؟