محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

آيديولوجية السينما المذهبية

لا أود تسمية الأفلام التي سيرد ذكرها هنا؛ لأن المسألة ليست في عناوينها، وحتى لا يبدو الأمر كما لو أنه محدد بمخرجيها. في واقعها، المسألة آيديولوجية مدروسة ومقررة تهدف إلى تصوير فريق من الناس على أنهم السبب وراء الآفات التي تصطادها تلك الأفلام التي في البال.
هذا العام وجدنا بين أفلام حديثة شوهدت مؤخراً، عملاً يصر لا على تقديم الإيزيدية تقديماً بريئاً من الأخطاء والخطايا ومتوهجاً بالسلام والطيبة، بل الانطلاق من هنا لتصوير السنّة كما لو كانوا فريقاً واحداً من الناس وكلهم «داعش».
في العام الماضي تم تقديم فيلم روائي عن الإيزيدية (بالطبع يستحقون تسليط الضوء بعد الجرائم التي تعرضوا لها) يصوّرهم والأكراد كنخبة البشر في العراق، والسنّة العرب كطلاب لهو ومتعة وتجار رقيق.
في أمثلة أخرى، بعضها أبعد من بعض، تناهت إلينا أفلام تفضل طائفة مسلمة على أخرى لمجرد أن المخرج ينتمي إلى الطائفة التي يفضلها. صدّام حسين في كثير من الأفلام التي ظهرت في السنوات السبع الأخيرة أو نحوها، كان ديكتاتوراً شرساً قتل الأكراد ونكل بالشيعة وأمدّ حزبه بالرجال الذين قادوا القتل والتنكيل.
لكن التاريخ يؤكد أن الرجل، رغم ديكتاتوريته، لم يكن طائفياً، وكثير من الشيعة والأكراد والمسيحيين كانوا من رجاله ومسؤوليه وأفراد حكومته. كذلك، فإن الطائفية لم تنمُ أو تنتشر إلا من بعد غيابه، ولاقى السنّة من الآخرين الأمرّين بحيث يلتقي ما حصل لهم مع ما حصل مع الإيزيديين، وذلك لا على أيدي «الدواعشيين» فقط؛ بل على أيدي بعض الطوائف الأخرى التي اعتبرتهم من أتباع الرئيس الراحل لمجرد أنهم من طائفته.
كل فيلم يؤيد طائفة على طائفة أخرى هو رسالة كره وحقد في صلبه حتى وإن تجلّى عن عمل جيد في فنه ونوعه.
كل فيلم يغرق في مستنقع التفرقة هو تعبير عدائي لصانعه الذي لا يريد النظر إلى الصورة كاملة ويعتبر أن دوره، ودور فيلمه، هو أن ينتقم من الوضع السابق من دون أن يعود به إلى أصوله الاجتماعية أو السياسية، وهو فعل انتقام ناقص ولا يؤدي إلى شيء.
المخرج، وكل مثقف؛ بل وكل إنسان، متاح له أن يرتقي بعمله بعيداً عن التحزبات والاعتبارات السلبية الذاتية. الفيلم الجيد هو فعل ارتقاء من مفهوم سائد ومن ذاتية ضيقة إلى عالم إنساني أشمل وأجمل. المسألة يجب ألا تكون فعلاً انتقامياً؛ بل أن تكون فعلاً يتجاوز من دون أن يلغي التاريخ بالضرورة.
في عملي تقدّم مني كثر راغبين مني في كتابة سيناريوهات من هذا النوع: هذا عن شخص قتل الأتراك والده، وذلك عن أميركي أسلم تبعاً للمدرسة الشيعية ورأى أن السنّة هم المسببون لمصائب البلد. وذاك ضد المسيحي أو الشيعي، والتالي ضد السوري أو العراقي، والآخر ضد نظام مع نظام آخر.
وجوابي كان دائماً: لا شكراً. لا أشترك في هذا النوع من الأعمال. ليصعد السينمائي الهضبة بنفسه ليرى الحياة على نحو أفضل. حياة عادلة تشمل الجميع متحابين للأبد.